كتبت بولا أسطيح في “الشرق الأوسط”:
لا يزال القسم الأكبر من النواب ينتظر إحالة قانون موازنة عام 2024، الذي أقرّه البرلمان اللبناني قبل أكثر من أسبوع، إلى مجلس الوزراء ليرسله بدوره للنشر في الجريدة الرسمية، فيصبح نافذاً، ويبدأ العمل به. إذ يؤكد عدد من النواب لـ«الشرق الأوسط» أنهم لا يعلمون أي صيغة رسا عليها كثير من المواد، نتيجة ما وصفه هؤلاء بـ«عشوائية» الإقرار والتصويت. وقد أدى ذلك إلى تخبط في وسط كثير من القطاعات التي تداعت للإضراب اعتراضاً على تضمين الموازنة ضرائب لم يتضح بعد إذا كانت تلحظ المبيعات أم الأرباح.
وأشار عضو كتلة «الجمهورية القوية»، النائب جورج عقيص، إلى أن «التأخير الحاصل بنشر الموازنة في الجريدة الرسمية ناتج عن إرباك بشأن الصيغة النهائية للنصوص، فرئيس المجلس النيابي لم يستطع ضبط إيقاع الجلسة كما يجب، وكان النواب يتحدثون في الوقت نفسه، ما سيحتم تفريغ الكلام ومقارنته مع ما هو مدون، وهذا أمر صعب»، لافتاً إلى أنه «بما يتعلق بالمضمون، هناك إرباك في التعامل مع مادتين مرتبطتين بالصيرفة وبالدعم، وقد استُحدثتا ولم تُناقشا في لجنة المال والموازنة»، مضيفاً: «يرجح أن البحث جارٍ في إمكانية عدم تضمين الموازنة هاتين المادتين في ظل تهديد القطاعات المعنية بالإضراب، لكن ذلك سيشكل سابقة خطيرة، إذ يفترض احترام محضر الجلسة، إذ عملية التصويت تعبر عن نية المشترع لحظة حصول النقاش، وبالتالي إذا كان هناك متضرر من أي مادة أو قانون، يمكنه أن يطعن بالقانون، إذا كانت هناك مخالفة دستورية أو تمّ إصدار قانون جديد».
ولفت عقيص، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى «عشوائية بالتشريع غير مسبوقة»، معتبراً أن «ما شهدته الجلسة الأخيرة في هذا المجال قد يكون الأسوأ منذ عام 2018»، مشدداً على «وجوب معالجة هذه العشوائية على أكثر من صعيد، أولاً من خلال الحفاظ على المواعيد الدستورية، بالاستعانة بشركات متخصصة أو مكاتب استشارية أكاديمية مستقلة، خاصة أن عدد النواب الذين هم على اطلاع كافٍ بالأمور المالية قليل، كما إلغاء الكلام في مستهل جلسات الموازنة والدعوة لجلسات لمساءلة الحكومة، وحينها يتم إعطاء المجال للنواب للحديث، والأهم التصويت بالمناداة بالأسماء، والأفضل اعتماد التصويت الإلكتروني».
وفسّر عضو كتلة «التنمية والتحرير»، النائب قاسم هاشم، تأخير إرسال الموازنة للنشر بأنه «يتم تفريغ التسجيلات الصوتية بعد الفوضى والتشويش اللذين سادا خلال طرح مواد لم يتم بحثها سابقاً، تفرض ضرائب وغرامات على الشركات بمفعول رجعي، ما يتعارض مع القوانين، لذلك تم العمل خلال الجلسة على صيغ تتوافق مع القانون، والتبس الأمر على أكثرية النواب، ما حتّم التفريغ الصوتي والاستعانة بأمناء السرّ كي يكون ما يُعتمد من مواد في الموازنة دقيقاً تماماً». وأكد هاشم، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «تم التصويت على بنود الموازنة بنداً بنداً، ولا لبس بما تم إقراره، أما دعاة اعتماد التصويت الإلكتروني فيعرفون أنه يتطلب تعديلاً دستورياً غير متاح في ظل الظروف الراهنة، وبالتحديد في غياب رئيس للجمهورية وحكومة فاعلة».
وقد شهد كثير من الجلسات العامة إشكالية حول احتساب الأصوات. وأشار المرصد البرلماني في المفكرة القانونية إلى «تحكّم رئيس مجلس النواب نبيه بري بنتيجة التصويت من خلال إعلانها من دون إحصاء الأصوات، وأحياناً بخلاف ظاهر الأيادي المرفوعة». واعتبرت النائبة في قوى «التغيير»، بولا يعقوبيان، أنه «يفترض إعادة النظر بالنظام الداخلي لمجلس النواب كله»، لافتة إلى أن «هناك تعديلات أساسية يجب أن تحصل لا تقتصر على إقرار التصويت الإلكتروني»، قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف فإن رئيس المجلس النيابي نبيه بري يخلط بين شخصه وصلاحياته كرئيس للمجلس النيابي والصلاحيات المنوطة بالهيئة العامة… ولكن الأخطر من ذلك أنه قد يكون هناك تلاعب بما صُودق عليه في الموازنة وما لم يصادَق عليه، أي أننا نكون قد أقررنا مواد في الهيئة العامة، فتنشر في الجريدة الرسمية مواد أخرى مختلفة بمضمونها، وهذه صفعة جديدة وإضافية للنظام الديمقراطي، ومصادرة لأصوات النواب».
وأضافت يعقوبيان: «التصويت يحصل بطريقة فوضوية وسريعة جداً، فلا يمكن معرفة من هو مع إقرار قانون معين، ومن يعارض هذا القانون من النواب». ولم تستبعد يعقوبيان أنه «في ظل الاعتراضات الكثيرة التي سبقت إقرار الموازنة، وفي حال حصل تصويت جدي على المواد، أن تسقط هذه الموازنة»، مشيرة إلى أنها ونواباً آخرين طالبوا خلال الجلسة بالتصويت بالمناداة إلا أن بري رفض ذلك. مضيفة: «هناك قرار مسبق من جانب الرئيس بري، ليس من اليوم، إنما منذ التسعينات، برفض التصويت الإلكتروني، لأنه مع تطبيقه لن يتمكن من التلاعب باتجاهات التصويت. أما التحجج بأن ذلك يتطلب تعديلاً دستورياً فغير صحيح، لأنه ليس بحاجة إلى أكثر من تعديل بسيط بالنظام الداخلي لمجلس النواب».
أما رئيس مؤسسة «جوستيسيا» الحقوقية في لبنان، المحامي الدكتور بول مرقص، فرأى أن «المشكلة الأساسية في التشريع في لبنان، إذا لم نتطرق للمضمون، هي في طريقة التصويت على القوانين، حيث تختلط الأمور، فلا نعرف مَن صوّت مع، ومَن صوّت ضد، وإذا كانت هناك أكثرية مع القانون أم لا، وأيضاً ماذا تضمن النص الأخير الذي تم التصويت عليه، حتى إن كثيراً من النواب يتفاجأون بالصيغة التي أقرت فيها بعض القوانين»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «هناك مطبخاً تشريعياً إضافياً يعمل على إنجاز الصيغ النهائية للقوانين التي ستنشر في الجريدة الرسمية، والتي لا تكون بالضرورة مطابقة لنية النواب، وهنا لا نتحدث حصراً عن سوء نية، إنما عن إهمال في بعض الأحيان، وعدم دقة بالصياغة النهائية، ما يؤدي إلى وقوع المشترع في أخطاء جسيمة».
ويشدد مرقص على أن «أي قانون نشر خلافاً لنية المشترع إذا كانت هناك إرادة بالرجوع عنه أو تعديله يفترض أن يتم ذلك بإقرار قانون جديد».