كتب وليد شقير في “نداء الوطن”:
تخضع الاندفاعة الأخيرة لتحرك لجنة السفراء للدول الخمس المهتمة بمواكبة أزمة لبنان والشغور الرئاسي، مرة أخرى للتقييم والقيل والقال كما سبق أن حصل مع التحركات الدولية والإقليمية الساعية إلى حث الفرقاء اللبنانيين على إنهاء الفراغ الرئاسي، خلال الأشهر الثلاثة عشر السابقة.
بينما كان موفد الرئاسة الفرنسية جان إيف لودريان يحث الفرقاء في زيارته الأخيرة، على الذهاب نحو خيار ثالث، سجل بعض المسؤولين الذين التقوا السفراء أنهم لم يطرحوا هذه الفكرة.
لعل الجديد عند السفراء هو أنّ الحرب الإسرائيلية ضد غزة ستضع أوزارها في الأسابيع أو الأشهر القليلة المقبلة، تمهيداً لمفاوضات حول الوضع الإقليمي، وعلى لبنان أن يكون جاهزاً ليحجز مقعده الى الطاولة، مقابل وجهة نظر أخرى ترى أنه لا مفاوضات جدية قادمة ولا من يحزنون، في الزمن الانتخابي الذي ستغرق فيه أميركا.
القراءات حول المنتظر إقليمياً تخضع للتجاذب. بعضهم ذهب إلى حدّ الحديث عن تفاهم أميركي- إيراني تحت عنوان خفض التصعيد، يسمح بانتخاب مرشح «حزب الله» سليمان فرنجية رئيساً، بينما يستبعد البعض الآخر رسو المعادلة الإقليمية على هذا الخيار.
حتى التسريبات التي رافقت التحضير لزيارة زعيم «تيار المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في الذكرى التاسعة عشرة لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري رُبط بينها وبين احتمالات التسوية الإقليمية التي تشمل تهيؤ لبنان لها، بحيث تشهد الساحة السياسية الداخلية منحى جديداً يتيح للحريري التحضير لتعليق العمل السياسي، نظراً إلى الحاجة إلى الحريرية السياسية في مرحلة إعادة وضع البلد على سكة النهوض في ظروف إقليمية أكثر ملاءمةً.
بصرف النظر عن التكهنات في شأن تفاهمات إقليمية، فإنّ حضور الرئيس الحريري في ذكرى 14 شباط خطوة بديهية يلتقي خلالها جمهوره الواسع المتعطش إلى وجوده، في مناسبة عزيزة على قلوب هذا الجمهور الذي يفتقد في ظروف البلد المأسوية، الدور الذي لعبه الحريري الأب في معالجة أزماته وفي النهوض بعد الحرب، وصولاً إلى تتويجه على الزعامة الأقوى بلا منازع في بيئته السنية وخارجها، والتي آلت إلى نجله سعد بعد العام 2005.
سواء صحّت التكهنات التي تربط بين حضور الحريري الأسبوع المقبل وبين الآمال بتفاهمات إقليمية تنطلق من وقف الحرب في غزة، أم لم تصح، يترافق ذلك مع جملة معطيات سهلت رواج التكهنات حول إمكان عودة تياره للانخراط بالعمل السياسي، منها:
– أنّ البيان الذي صدر عن الخارجية الروسية عقب اجتماع مستشار الحريري جورج شعبان مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف نص على أنّ الأول «عرض رؤية الحريري وتصوره إزاء تطور الأحداث في لبنان ولا سيما انتخاب رئيس الجمهورية»، جاء بعلم زعيم «المستقبل»، أي أنه يفترض أن يجس النبض حول «رؤيته» هذه في بيروت لبلورتها، فضلاً عن التشاور مع الخارج في شأنها. وهذا سيأخذ وقتاً ولن يتم سريعاً.
– أنّ موسكو تؤيد منذ مدة، عودة الحريري إلى العمل السياسي لاعتقادها أنّها تعيد التوازن إلى التركيبة السياسية في البلد ولاستعادة الاستقرار، نظراً إلى صفة الاعتدال لدى الزعامة الحريرية.
– موسكو مثل عدد من العواصم العربية المهتمة بالساحة السنية، ترى أنّ تعليق الحريري العمل السياسي ترك فراغاً لم يتمكن رموزالتمثيل السياسي بعد الانتخابات النيابية عام 2022 من ملئه، في وقت نما الشعور لدى جمهور الحريرية السياسية بأنه متروك وسط التخبط الذي يحكم الأزمة السياسية.
– أنّ البداية بالنسبة إلى مناصري وقيادة «المستقبل»، هي في أن يلتقي الحريري جمهوره ورموزه ويؤكد حضوره معهم قبل أن يفكر في موقعه سواء في المشهد السياسي أو في تركيبة السلطة، خصوصاً أنّ بعض قادة تياره أخذ يشعر بأنّ هناك من يستهدف مناصريه ومؤيديه سواء في المؤسسات والإدارات أو خارجها. وهذا يؤكد الحاجة إلى حضوره بين هؤلاء المناصرين الذين يحتاجون إلى الرمز الذي يشد عصبهم ويحميهم من الاستهداف.