كتب احمد الأيوبي في “نداء الوطن”:
عجيبٌ أمر جبران باسيل. يريد إقناع نفسه وإقناع الجميع بأنّ أهل طرابلس يحبّونه ويترقّبون زيارته على أحرّ من الجمر وأنّهم سينتظرونه على مداخل مدينتهم لنثر الورود والأرزّ على موكبه المصفّح والمدجّج بالعسكر وأنّهم سيقفون بالصفوف تلهّفاً للسلام عليه وسيهتفون باسمه وستُبحُّ حناجرهم من إطلاق هتافات التأييد له وأنّهم سيفتحون له بيوتهم وسيذبحون الخراف على شرفه لأنّ تاريخه معهم هو تاريخٌ زاخرٌ بالمودّة والدعم والرعاية… ويريد جبران إقناع الكرة الأرضية بأنّ مفتي طرابلس الشيخ محمد إمام اعتذر عن عدم استقباله لارتباطه بعزاء مفاجئ كما كانت الحال بالنسبة لمفتي البقاع الشيخ علي غزاوي عندما رفض استقباله بديبلوماسية التعزية الطارئة.
يمارس جبران مع طرابلس هوايته المفضلة وهي لعبة التجاهل والانفصام. يريد أن يطوي كلّ صفحاته السوداء مع المدينة وكأنّ شيئاً لم يكن من دون مراجعة ولا اعتذار ولا تغيير في السلوك والمواقف، ولا يريد أن يعترف بأنّ الطرابلسيين جميعاً لم ينسَوا له افتراءاته عليهم واتهامهم بالتطرّف والإرهاب ولم يتجاوزوا حصاره لهم بموارد الطاقة واتّباعه سياسة العقاب الجماعي بحقهم كلّما عَـنّ له خاطرُ الاشتباك مع رئيس الحكومة أو مع هذا الوزير أو ذاك النائب، وكلّما اقتضت حاجة تحالفاته مع «حزب الله» في إطار حلف الأقليات بتوجيه اللكمات إلى السنّة في معقلهم الأكبر طرابلس.
لم ينس الطرابلسيون لباسيل مطاردته لهم في وظائفهم العامة وتنكيله بهم في المرافق داخل المدينة وخارجها واحتلاله مقاعدهم في ظلّ الصفقة الرئاسية مع «تيار المستلقبل» التي أتاحت له اجتياح الدولة وقدّمت له حصص السنة في الاتصالات والطاقة والمياه والتربية وغيرها على طبق من تواطؤ.
لا تصدّق يا معالي الوزير السابق أنّ مفتي طرابلس أجّل استقباله لك لأنّه طرأ عليه واجب تعزية كما ورد في بيان تيارك الذي يرفض أن يكون هناك أيّ تفسير آخر لتنصّل المفتي إمام من استقبالك وهو المعروف بأدبه وانفتاحه واستعداده لاستقبال الجميع لأنّ دار الفتوى هي دار الجميع، لكنّ المفتي إمام يلمس أيضاً حرارة الرأي العام التي ارتفعت لدرجة الغليان وأوصلت إليه الرسائل برفض هذا الاستقبال الذي يمثِّل استفزازاً غير عاديّ لكرامة أهل المدينة، لأنّ هذا الزائر جاء مرّتين إلى طرابلس فدخل تحت قوّة السلاح مدجّجاً بمئات العسكر وكأنّه داخل لاحتلال طرابلس وليس لزيارتها ولأنّ عناصر حمايته اعتدوا في زيارته الأخيرة على مجموعة من المتظاهرين السلميين أرادوا التعبير عن رفضهم لسياساته التي يرونها ظالمة بحقهم.
لا تصدِّق يا معالي الوزير السابق جبران باسيل أنّ المفتي إمام سيستقبلك مرة أخرى، فهذا لن يحصل، وسيفعل مجدّداً كما فعل مفتي البقاع الشيخ علي غزاوي، المعروف أيضاً باعتداله وانفتاحه، وسيجد عذراً جديداً لعدم لقائك، ليس لأنّ المفتيَين متعصبان أو منغلقان، بل لأنّك تصرّ على ارتكاب فاحشة التمييز والإقصاء والاضطهاد بحق المناطق السنية ولا تريد الاعتراف بخطاياك التي ارتكبتها بحق من يفترض أنّهم شركاؤك في الوطن، لا بل إنّك لا تريد تغيير السلوك والخطاب الفعلي تجاه أهل السنة، ولا تزال تسهم في تعطيل مرافق المدينة حتى اليوم.
لا ينسى الطرابلسيون حسدك لهم في كلّ صغيرة وكبيرة، حتى عندما حصلوا بعد مكابدة وعناء على مرسوم المنطقة الاقتصادية الخاصة مارست الابتزاز للاستحصال على مرسوم موازٍ لمنطقة خاصة في البترون على سبيل النكد والتوازن الطائفي المحموم الذي يحرمك من التفكير بأنّ أهل البترون يمكن أن يتعاونوا مع أهل طرابلس في المنطقة الخاصة كما هي الحال في المرفأ.
يعتبر أهل طرابلس أنّ على جبران باسيل أن يعلم أنّ مفعول الصفقة الرئاسية انتهى وأنّ استقباله في البحصاص وكلام الرئيس سعد الحريري له عن معجزة الالتقاء في طرابلس أصبح من الماضي ومُنتهي الصلاحية. وطرابلس اليوم، رغم البؤس الذي يحاصرها ترفض تجاوز اعتداءات التيار الوطني الحر بوزرائه ونوابه عليها، وتضع النقاط على الحروف ولا تقبل الفرض ولديها القدرة على رفض ما يحاول الباسيليون فرضه عليها.
لا يكفي أن يتلقى باسيل الترحيب من بعض النواب السابقين والسياسيين حتى يمكنه دخول طرابلس بالمعنى الطبيعي للحضور السياسي، فالمدينة مفتوحة وهو يأتي إليها للقاء محازبيه في الميناء ويلتقي بعض الفاعليات، لكنّ المرجعيات الدينية الإسلامية والمسيحية لا تستطيع تجاوز مشاعر الرأي العام وتنتظر أن يعيد باسيل النظر في سلوكه، فهذا الموقف موجّه إليه شخصياً وليس موقفاً طائفياً، فقد منح الطرابلسيون ثلاثة آلاف صوت لنائب «القوات اللبنانية» ايلي الخوري، وهم يقيمون الاعتبار الأعلى للشراكة الوطنية، لكن مع من يعمل على أساسها، ولا يريد الاكتفاء بعنوانها بينما يعمل عكسها.