كتب طوني جبران في “المركزية”:
بانتظار أن تعلن جمهورية “جزر القمر” عن إدانتها للتهديدات الاسرائيلية باقتحام مدينة رفح آخر المدن الفلسطينية في جنوب القطاع التي نجت من عملية التدمير الشامل، ارتفع منسوب القلق من أي عملية محتملة في جنوب القطاع وانعكاساتها الخطيرة على باقي المشردين النازحين اليها من فلسطينيي القطاع، وسط احصاء معلن يتحدث عن وجود مليون و400 ألف مدني يتوزعون على مئات المخيمات المنصوبة فيها وفي محيطها.
وان كانت الحجة الاسرائيلية التي دفع بها رئيس حكومة الحرب بنيامين نتانياهو لتبرير الحرب بأنه “لا يمكن تحقيق أهداف الحرب بالقضاء على حماس وترك 4 كتائب لها في رفح”، فإن العالم لا يرى امكانية لهذه العملية قبل ان يدفع آلاف الفلسطينيين المدنيين حياتهم. وبذلك يكون العالم أجمع قد نبه وحذر من حجم المخاطر المترتبة على مثل هذه العملية ونتائجها الكارثية بما فيه الدول التي ما زالت تؤيد العملية العسكرية الاسرائيلية في قطاع غزة في مواجهة ما يسمونه “الإرهاب” ولكن مع الاخذ بعين الاعتبار حجم الضحايا المدنيين.
وعليه، توجهت انظار المراقبين الى ما تشهده تل أبيب وبعض عواصم المنطقة من تحركات ولقاءات جندت لها الطاقات الديبلوماسية والاستخبارية على أعلى المستويات وخصوصا تلك التي تقودها” الرباعية المخابراتية الجديدة” التي نشأت عن لقاء باريس تزامنا مع ما يجري على مستوى محكمة العدل الدولية، ولم يجف بعد حبر القرار الابتدائي الذي اتخذته بقبولها الدعوى التي رفعتها “جنوب افريقيا” في شكلها، مضمونها وتوقيتها والتي اتهمت اسرائيل بارتكاب “ابادة جماعية” بحق الشعب الفلسطيني.
وإزاء المشهد السياسي والعسكري المعقد، لم تتمكن المراجع الديبلوماسية التي تواكب التطورات ساعة بساعة والتي تحدثت إليها “المركزية” من حسم ما يمكن ان تقوم به اسرائيل، إن تجاوزت التحفظات المصرية والدولية على أي قرار يمكن ان يمدد التدمير الى الجزء الجنوبي من القطاع من دون ان يؤدي الى حرب حقيقية يشارك فيها ربما الجيش المصري إن تم حشره الى النهاية التي يريدها نتانياهو رغم الانقسام الحاد على مستوى ادارة الحرب في ظل الخلاف بينه ورئيس أركانه هرتسي هاليفي وما بين أعضاء حكومة الحرب.
وبناء على ما تقدم من المعطيات، افادت تقارير ديبلوماسية اطلعت “المركزية” على أجزاء منها أن المواجهة المحتملة مخيفة ومرعبة. ذلك ان هناك من يعتقد ان الحديث عن هيبة اميركية وسلطة مباشرة تحول دون اي مغامرة اسرائيلية باتت تخضع للتشكيك ولم تعد مجدية وان الحكومة الاسرائيلية التي راعت الموقف الأميركي مما يجري في الدول المحيطة بها ولا سيما في لبنان، عندما جمدت عملياتها العسكرية التدميرية، لا يمكنها أن تنفذ لها ما تريده في قطاع غزة ومناطق السلطة الفلسطينية والتي لا يمكن أن تقبل بما يقيد إجراءاتها فيها. وعليه فصلت التقارير بين ما يجري فيها والحرب الامنية التي تقودها تل ابيب ضد قادة “حماس” و”حزب الله” وما يسمى بـ “قواعد الاشتباك” التي تحاكي شكل العمليات العسكرية على الحدود وعمقها ومداها. ولذلك فقد وضعت “عملية النبطية” قبل ايام قليلة وفي”جدرا” امس من ضمن “الحرب المخابراتية” المشروعة بين الطرفين. وهو أسلوب عبرت عنه اسرائيل منذ ان قام “حزب الله” بالعملية التي استهدفت قاعدة “للقبة الحديدة” في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة وقاعدة “ميرون” لصعوبة وصول الحزب الى شخصيات عسكرية اسرائيلية لفقدانه السيطرة على الأجواء كما هو قائم بالنسبة إليها في سماء لبنان.
وعليه، قالت تقارير وردت من القاهرة في الساعات القليلة الماضية ان مراجع مصرية نبهت المدعوين سلفا الى لقاء القاهرة الثلاثاء المقبل على مستوى رؤساء اجهزة المخابرات الاربعة، من مغبة القيام بأي عمل عسكري في رفح يؤدي الى تهجير الفلسطينيين لأنها لن تكون نزهة. فالمس بالاتفاقيات التي ترعى علاقات الدولتين منذ تنفيذ آخر المراحل التي قالت بها معاهدة السلام بين القاهرة وتل أبيب منذ اتفاقية “كامب ديفيد” ستكون موضع إعادة بحث، وإن لم تنصرها الدول التي طبعت مع اسرائيل مؤخرا فان شيئآ ما يكون قد انتهت اليه “مغامرات نتانياهو” كما سماها الرئيس عبد الفتاح السيسي في اتصالاته مع الاميركيين والاوروبيين ولا سيما الحكومتين الاميركية والبريطانية ونقل نسخا منها الى كل من الرياض والدوحة وعمان ورام الله.
على هذه الخلفيات، اخضعت للتدقيق والتشكيك المعلومات التي نشرت حول ما طلبه نتنياهو من رئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي لإعادة “استدعاء وتعبئة جنود الاحتياط” تمهيدا لشن عملية عسكرية برية، في مدينة رفح وما تسرب من رد تحذيري لهاليفي بضرورة إعطاء الاهتمام للجانب السياسي والديبلوماسي لمثل هذه الخطوة قبل الحديث عن العمل العسكري. فإن كان الجيش بترسانته قادرا على تنفيذ المهمة، من سيتحمل نتائجها؟ فإن صحت المعلومات التي تحدثت عن عملية إجلاء للنازحين من رفح قبل العملية يعني ان هناك وقتا كافيا للعمل الديبلوماسي، ذلك ان نقل مئات الآلاف من النازحين من الجنوب الى وسط القطاع وشماله وتجهيز المخيمات يحتاج الى ما بين ستة او ثماني اسابيع على الاقل، فمن يعتقد أن الوضع سيبقى على ما هو عليه طيلة هذه الفترة وخصوصا ان لم يتم التوصل الى ما يمكن أن يشهده “اليوم التالي” بعد الحرب؟