كتب منير الربيع في “المدن”:
مشهدان متناقضان تقدمهما صورة تطورات الوضع في لبنان، والمواجهات في الجنوب. فعسكرياً وأمنياً، الحرب تتوسع على وقع ارتفاع منسوب التهديدات الإسرائيلية. أما سياسياً، فلا تزال المفاوضات هي السمة الغالبة أو الرهان القائم بالنسبة إلى لبنان وحزب الله وحتى إيران، للوصول إلى حلّ أو وقف لإطلاق النار في قطاع غزة.
في ظل استمرار المفاوضات لإنجاز هدنة، فإن الضغوط الأميركية تتركز على إسرائيل للوصول إلى وقف إطلاق نار طويل الأمد، مع حلول شهر رمضان المبارك. فيما يستغل الإسرائيليون الفترة الفاصلة من الآن حتى ذلك الموعد، لتنفيذ أكبر قدر من عملياتهم، سواءً في قطاع غزة أو في لبنان.
تجاوز الخطوط
وسع الإسرائيليون من عملياتهم العسكرية وكثفوها في شمال نهر الليطاني. الأخطر هو وصول عمليات الاستهداف والاغتيال إلى شمالي صيدا، وحديداً منطقة جدرا أو وادي الزينة، علماً أن هذه المنطقة فيها تنوع سكاني، وتضم الكثير من السكان الفلسطينيين أيضاً. كما يسجل أيضاً حضور سكني لحزب الله وللعديد من عناصره وكوادره في تلك المنطقة، التي تعتبر استراتيجية بالنسبة إلى طريق الجنوب.
وصول الإسرائيليين إلى تنفيذ عمليات اغتيال في هذه المنطقة بطائرات مسيّرة، يعني تجاوز كل قواعد الاشتباك المتصلة بالوضع في الجنوب أو المواجهات القائمة هناك. وهنا يركز الإسرائيليون على لعبة التفوق الأمني أو التكنولوجي في القدرة على رصد الشخصيات المستهدفة. وهنا تتضارب المعطيات والتقديرات حول كيفية رصد السيارة المستهدفة في جدرا. وتشير الترجيحات إلى سقوط العنصر البشري في تقديم الرصد أو الخبر. تأتي هذه العملية بعد محاولة اسرائيلية لاغتيال شخصية قيادية في حزب الله قبل أيام في قلب مدينة النبطية. ما يعني استعداد الإسرائيليين لتجاوز كل الخطوط الحمر، لا سيما في ظل رفع منسوب التهديدات الإسرائيلية الموجهة للبنان، والقول إن الجيش الإسرائيلي يستعد لتوسيع نطاق الحرب وتغيير الوضع الأمني في جنوب لبنان.
التهديدات والرسائل
في هذا السياق، لا تزال الرسائل الديبلوماسية تصل إلى لبنان حول الجدية الإسرائيلية في تنفيذ عملية عسكرية برّية وواسعة في الجنوب. وحسب ما تشير المصادر، ففي اليومين الماضيين تلقى لبنان المزيد من الرسائل بهذا الصدد، وأن القرار الإسرائيلي قد اتخذ ولا رجعة عنه. ويمكن أن تحصل التطورات لدى الوصول إلى هدنة إنسانية في قطاع غزة، خصوصاً أن الإسرائيليين يعملون على إرسال المزيد من التعزيزات العسكرية إلى الحدود مع لبنان. في المقابل، فإن المسؤولين اللبنانيين وبما فيهم حزب الله يستخفون بهذه التهديدات، ويعتبرون أنها تندرج في خانة الضغط السياسي لتحقيق شروط، ولدفع الحزب إلى وقف عملياته والسماح بعودة سكان المستوطنات الشمالية، بينما لبنان كما حزب الله أبلغا بأنهما لا يريدان الحرب ولا التصعيد وأن الأمر يتعلق بوقف إطلاق النار في غزة وعندها تلقائياً ستتوقف العمليات.
بناء على هذه المعادلة يتضح أن الإسرائيلي يعمل وفق معادلة، أنه في حال أصر الحزب على التصعيد، فسيكون ذلك مبرراً لتنفيذ المزيد من العمليات العسكرية والتصعيدية لتدمير مراكز وبنى تحتية، بالإضافة إلى مواصلة عمليات الاغتيال لكوادر الحزب ومسؤوليه. أما في حال لم يشأ الحزب التصعيد، فإن الإسرائيليين يستغلون الوضع القائم حالياً والتوترات المستمرة، لتنفيذ المزيد من هذه العمليات، واغتيال شخصيات أو تدمير بنى تحتية، طالما أن الحزب لن يرد بشكل يتناسب مع هذه الضربات، وبالتالي يلعب الإسرائيليون لعبة الربح الدائم.
على وقع كل هذه التطورات لا يمكن إغفال زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى لبنان، ولقاءاته التي عقدها، وشدد فيها على ضرورة التهدئة وعدم التصعيد، وأن الرهان هو على وقف اطلاق النار وعلى الحلول السياسية. هذا يعني بوضوح أن طهران لا تريد الحرب، على الرغم من تعرضها لضربات قاسية. فإيران تتصرف، بالنظر إلى نفسها كحاجة وضرورة لغالبية القوى الإقليمية والدولية لتكريس الاستقرار أو ترتيب الاتفاقات. وهي بذلك تريد الحفاظ على دورها وموقعها ونفوذها.