كتبت هيام القصيفي في “الأخبار”:
ظهرت جلسة مجلس الوزراء الأخيرة أن ثمة محاولة للالتفاف على موقع رئاسة الجمهورية. وهذا الموقف لا يتعلق فقط بموقع التيار الوطني الحر المقاطع لجلسات مجلس الوزراء والمنتقد بحدّة أداء رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، لأن حجم التعدّي على اتفاق الطائف يعني بكركي كما يعني القوى المسيحية قاطبة.
ومع ذلك، فإن حجم رد الفعل لم يكن بالمستوى المطلوب لمواجهة تداعيات ما يحصل تدريجاً من تحويل مجلس الوزراء إلى قابض على صلاحيات رئيس الجمهورية.لكن أهمية ما جرى أنه سلّط الضوء مجدّداً على رئاسة الجمهورية، وكلما أقدمت حكومة تصريف الأعمال على خطوات مماثلة، تصبح ملحّة مقاربة انتخابات رئاسة الجمهورية المعلقة، بعد مرحلة انكفاء. ولعل إعادة إحياء الكلام عنها، على إيقاع حركة اللجنة الخماسية وسفراء دولها في لبنان، فتحت باباً جديداً، رغم أن حركة السفراء لم تسفر عن أي تطور إيجابي، ولم يحرّك أداء اللجنة الخماسية المياه الراكدة محلياً.
لكن ما خلصت إليه معلومات مطّلعين على المشاورات أن المراوحة الحالية لا تعني مطلقاً سلبية مطلقة تُترجم بتعليق انتخابات الرئاسة، في موازاة دفع حزب الله بملف الرئاسة إلى ما بعد حرب غزة وانتهاء المفاوضات الإقليمية. الإيجابية متأتية، بحسب المعلومات، من أن موقف السعودية الواضح لا يزال على حاله بعدم التفريط بالانتخابات الرئاسية في لبنان في أي تسوية وبأي ثمن، وهذا أمر لا يفترض القفز فوقه.
علماً أنه أضيفت إليه خلاصة معبّرة، وهي أن «لا رئيس للجمهورية من دون رضى القوى المسيحية». وهذا الموقف عنى سابقاً، ولا يزال يعني اليوم رغم كل الأحداث المحيطة بلبنان بعد حرب غزة، أنه لا يمكن الذهاب إلى توافق على اسم يتحدّى القوى المسيحية، أو لا تباركه هذه القوى وتعمل على إنجاح رئاسته.
وهذا الأمر تحديداً هو الذي يجعل القوات اللبنانية وبعض حلفاء السعودية في لبنان مطمئنين منذ أشهر، وغير مبادرين إلى تفعيل حركتهم الداخلية، باعتبار أن المكتوب سعودياً حتى الآن هو العنوان الرئيسي الذي تتحرك من خلاله اللجنة الخماسية، ولن تخرج عنه في المدى المنظور. وكذلك فإن هذا العنوان تؤيده بكركي، من دون أن تعلنه صراحة برفض أي مرشح تعتبره القوى المسيحية تحدياً لها، وتتوافق عليه مع القوات في الدعوة إلى عقد جلسات انتخاب مفتوحة. كما أن هذا الموقف أراح التيار الوطني الحر، إذ يستظله في التقاطع لرفض مرشح حزب الله وحلفائه تيار المردة سليمان فرنجية.
ورغم خط الاتصالات المفتوح بين السعودية وإيران، إلا أن الموقف السعودي لا يزال، بحسب المعلومات، هو نفسه منذ بيان اللجنة الثلاثية في نيويورك، وحتى تشكيل اللجنة الخماسية. وأي تواصل إيراني – سعودي لا يزال محكوماً بهذا السقف. علماً أن الارتياح الآخر الذي يعكسه الموقف السعودي يتمثل في أن فرنسا لم تعد تغرّد خارج إجماع الخماسية. وبعد التخبط الذي شهدته مبادرتها وإعادة تحكّم الرئيس إيمانويل ماكرون عبر وزارة الخارجية بالدبلوماسية المتعلقة بلبنان، وبغيره من ساحات العمل الفرنسي الخارجي، إلا أن الملف الرئاسي لا يزال مرتبطاً بمداولات اللجنة الخماسية، والسعودية لا تزال لها كلمة فصل فيه.
هذا الارتياح الذي يتعامل معه خصوم حزب الله نتيجة الموقف السعودي، يسحب منذ حرب غزة وتطورات الجنوب أي محاولة من جانب حزب الله لاستثمار الوضع الحدودي في الملف الرئاسي. ومما لا شك فيه أن القلق الذي يعبّر عنه هؤلاء كان انعكاساً لمحاولة الثنائي ترحيل الملف إلى ما بعد غزة، بغية قطف ثماره في مرشح الثنائي، وفي السعي إلى صبّ كل الخطوات الداخلية، كما حصل مع تعيين رئيس الأركان اللواء حسان عودة، لصالح ترتيب أوراق التفاهمات الداخلية وتأمين مزيد من الأصوات لفرنجية، عطفاً على تصوير التفاهم الإيراني – السعودي واللقاء الدبلوماسي بين الطرفين في بيروت كطريق لتأمين الأصوات السنية المبعثرة التي لُجمت في جلسة 14 حزيران.
لكن كل ذلك، لم يثر حتى الساعة أي تغيير في جوهر الموقف السعودي، والذي لا يمكن للقوى الداخلية تخطّيه، في لحظة أي تفاهم إقليمي متقاطع مع حرب غزة، أو لصالح تسوية رئاسية. وبحسب المعطيات، فإن الثنائي أصبح مدركاً لذلك ويتعاطى معه بجدية، من دون أن يسلّم بأن معركة فرنجية أصبحت خاسرة. لا بل إن مضاعفة التشدد فيها قد تكون مطلوبة اليوم في إطار التفاوض ورفع سقوفه. المشكلة في كل ذلك، أن بعض المرشحين الرئاسيين سيقفزون فوراً إلى مرحلة الاستنتاج المبكر بأن موقف الرياض ينطبق على مرشحين دون سواهم، وهذا ليس صحيحاً، لأن الموقف السياسي حتى الساعة مبدئي من دون الدخول في تبنّي ترشيح أسماء وتفضيلها على أخرى.