كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
لن يلتحق محمود عامر إبن الخمس سنوات غداً بصفّه ليأخذ علاماته الشهرية التي تفوّق بها، تلميذ الـkg3 المهذّب والذكي، كما يصفه معلموه في مدرسة الانجيلية الوطنية في النبطية، نال شهادة الموت بعدما استهدف العدو الإسرائيلي منزل جده حسين برجاوي في النبطية في أثناء اجتماع العائلة، فقضى مع سبعة من أفراد العائلة فيما ما زال هناك مفقودون.
وفي حين تواصلت عمليات البحث عن المفقودين، نعى «حزب الله» حسين أحمد عقيل وحسن ابراهيم عيسى وعلي محمد الدبس، فيما قال الإعلام الإسرائيلي إنّ «المستهدف مسؤول كبير في الحزب، وأنه مسؤول عن الملف الفلسطيني».
داخل صفه في المدرسة، تقف معلمته تذرف الدموع، تحدّق في كتبه وخزانته الصغيرة، قبل أن تقول «الشاطر الذي كان يحبه كل رفاقه، غادرنا الى الأبد، لا أصدق». لم تستوعب المسؤولة عن قسم الروضات سالي كفوري بعد أنّ «التلميذ المهذب»، كما تسمّيه صار «شهيداً»، تقلّب دفتره الصغير وتردّد «حرام هالطفولة تكون ضحية إجرام العدو». لا تعرف سالي كيف ستخبر رفاقه بعد برحيله، ولا كيف ستكون ردة فعل شقيقه حسين الذي نجا بإعجوبة، حين يعرف أنّ «صديقه» صار شهيداً.
يتفقّد المشرف على اللغة العربية في المدرسة جميل معلم صف محمود وملعبه، يخبر عن شطارته وذكائه، عن تفاعله في كلّ الأنشطة. ما زال، كما كل الاستاذة في صدمة، كيف لهذا الإجرام أن ينال من الطفولة البريئة، يمعن النظر في شهادته الذي يحملها بين يديه، يتأمل علامته ويقول «لم يتمكن من استلامها، هو من الأذكياء في المدرسة، مجتهد كما شقيقه حسين الذي نجا»، ويؤكد أنّ «محمود كان يصر على التعلم والتقدم، الكل يحبه، نأسف أن يكون ضحية الهمجية الاسرائيلية الوحشية».
ليست المرة الأولى التي تستهدف منطقة النبطية في هذه الحرب، هي المرة الخامسة على التوالي في أقل من أسبوع، والمرة الثانية لمدينة النبطية، التي عاشت يوماً حزيناً… فخلت شوارعها من المارة، في حين اقفلت محالها التجارية ومؤسساتها ودوائرها الرسمية كما مدارسها.
شلّت الغارة التي استهدفت بصاروخين مبنى حسين برجاوي وعائلته المدينة والقرى، في حين لم يتحدد بعد العدد النهائي للضحايا بسبب وجود اشلاء بينهم ومفقودين.
استعادت النبطية مجازر العدو في حرب تموز 2006، مع فارق بسيط نوعية الاستهداف، اذ جاء شبيهاً لإستهداف صالح العاروري في بيروت، حيث استهُدف الطابقان الأول والسفلي فقط حيث كانت عائلة برجاوي مجتمعة على الإفطار، الأب وشقيقته وبناته وأحفاده. في حين لم تنجُ عائلة نازحة كانت تسكن الطابق السفلي من الغارة التي لم تصب باقي الطبقات بدمار وهو ما يطرح علامات استفهام حول نوعية الأسلحة المستخدمة.
عصف الانفجار أدّى الى تطاير أغراض المنزلين المستهدفين الى المنازل المجاورة التي نالت نصيبها من الأضرار. تمضي فاطمة بيطار وهي جارة العائلة في لملمة صور العائلة، تحمل صورة أحد أبناء برجاوي بعدما التقطتها عن الأرض وتقول «عائلة كانت تجتمع معاً لا ناقة لها ولا جمل، تحولت أشلاء بسبب اجرام العدو»، وأكثر تقول «مجزرة حقيقية ارتكبها العدو، لماذا، ما ذنب هذه العائلة البريئة أن تكون ضحية هذا الاجرام».
قد تكون مجزرة النبطية الأكبر منذ بدء الحرب، بل والاعنف، تركت تداعياتها على المدينة والمنطقة، أدخلتها في «كوما»، وليس مستبعداً أن تتكرر الاعتداءات على المدينة ذات الرمزية النضالية منذ انتفاضة النبطية ضد العدو الاسرائيلي عام 1983 وحتى اليوم. ولا يستهجن مختار النبطية حسين برجاوي اجرام العدو، ينتظر كما كل عائلته جلاء الصورة وانتشال باقي أفراد العائلة، ويقول إنّ «ما حصل خطير للغاية، وسيشكّل منعطفاً في الحرب، فالعدو استهدف مدنيين» مؤكداً أنّ «لا هدف عسكرياً في المبنى الذي يقع على الشارع العام قرب محطة، بل يوجد هدف اجرامي للعدو». وبحسب برجاوي «فإن حسين رب الأسرة كان يعمل في تجارة قطع السيارات ولا علاقة له بالأحزاب، جلّ ما فكّر به بالأمس أن يجمع عائلته بمناسبة ولادة العباس، لا أكثر، فكانت صواريخ العدو تمحو العائلة».
بالطبع ستكون هناك تبعات لمجزرة النبطية الأكبر منذ بداية هذه الحرب، وهي جاءت مباشرة بعد مجزرة الصوانة التي راح ضحيتها أم وطفلاها، وكأن العدو يستهدف الطفولة البريئة التي تحولت أهدافاً عسكرية له. حكماً قواعد المعركة تبدلت بعد مجزرة النبطية، وحكماً أيضاً سيترك ما حصل تداعياته على الحياة العامة في المدينة وقراها، فهل دخلت النبطية في قلب الحرب رسمياً؟ وماذا بعد هذه المجزرة؟