كتب أنطوان الأسمر في “اللواء”:
فاقم التهديد الإسرائيلي باجتياح رفح جنوب قطاع غزة، عند الحدود مع مصر، مخاوف المجتمع الدولي من المغامرة الجديدة التي يستعد لها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وهي لا شكّ تحمل مخاطر نشوب صراع إقليمي إذا قررت القاهرة المواجهة العسكرية وإقفال حدودها لمنع نحو مليون ونصف مليون لاجئ فلسطيني في رفح من العبور إلى شبه جزيرة سيناء.
واجتياح رفح، متى حصل، سيخلق مأساة جديدة ستنتج حكما من التنكيل باللاجئين من الهاربين من قطاع غزة احتماء من الحرب الإسرائيلية على حركة حماس، وباتت من الآن تثير مخاوف انسانية كبيرة وجيوسياسية أكبر.
لا ريب أن نتنياهو يكتب بيده نهايته السياسية. فتحدّيه الإرادة الأميركية بإعادة الإستقرار إلى المنطقة من باب لملمة كارثة الحرب في غزة وتداعياتها في أكثر من دولة، من بينها لبنان، لن يكون بالأمر الهيّن، خصوصا أن واشنطن قبل 7 تشرين الأول 2023 لم تفوّت فرصة من أجل تحجيمه مقدّمة لإبعاده عن السلطة.
صحيح أن عملية «طوفان الأقصى» أخّرت مسعى واشنطن هذا، لكنها باتت راهنا أكثر من وقت مضى على يقين بضرورة تحييد نتنياهو سياسيا، وإحداث الصدمة الإيجابية على مستوى الحكم في تل أبيب. فتداعيات غزة ليست فقط عسكرية وإنسانية، إنما هي أسٍست لتغيير جيوسياسي جذري في المنطقة، وأخّرت، في الموازاة، مساعي التطبيع العربي – الإسرائيلي، وهو أمر بالغ الحيوية لإدارة الرئيس جو بايدن الذي يخوض سباقا عسيرا لولاية ثانية في البيت الأبيض، ويحتاج إلى اختراقات نوعية لتحقيق نقاط التقدّم على منافسه الرئيس السابق دونالد ترامب.
يثير مجمل هذا الواقع مخاوف لبنانية مما قد يذهب إليه نتنياهو في الجنوب. فاجتياح محتمل لرفح يضع لبنان في مهبّ ريح هوجاء لا تنفع معها أي تطمينات دولية بهدوء في المنطقة.
أصلا، تكثّفت في الآونة الأخيرة الرسائل الغربية إلى بيروت المحذّرة من نوايا إسرائيل. فكانت الورقة الفرنسية للحلّ انعكاسا لتلك التحذيرات، تماما كما كان متوقّعا رفض حزب الله لها، وهو الرابط أي تهدئة جنوبية أو حتى نقاش في ترتيبات إعادة الإستقرار إلى المنطقة بوقف الحرب الإسرائيلية في غزة. وكان كذلك تمهّل المستشار الرئاسي الأميركي آموس هوكستين في مسعاه التسووي، هو الآخر ترجمة لموقف الحزب. هذا يعني أن لبنان سيبقى خاضعا للمنخفض الحربيّ الواقع فيه حتى إشعار إسرائيلي آخر. وهو ما بدا في التشدّد الذي ظهر عليه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، والذي كان موجّها الى معارضيه في الداخل بالحدّة نفسها التي طالت إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية.
ولئن قُرئ هذا التشدد على أنه انعكاس لتأزم العلاقة بين طهران وواشنطن على خلفية تعثّر مساعي الحلّ في غزة، لا يمكن فصله عن التصعيد الخطر الحاصل جنوبا، وهو بلغ أشدّه في اليومين الأخيرين وتخطّى الخطوط الحمر، وأطاح حكما بقواعد الاشتباك التقليدية التي ظلّت طويلا تحكم المعارك منذ 8 تشرين الاول 2023.
لحزب الله أيضا تحدٍّ آخر داخلي لا يقلّ خطورة، يتمثّل في ما بدر عن الرئيس سعد الحريري من إعادة إثارة حكم المحكمة الدولية القاضي بتجريم عناصر فيه بمقتل الرئيس رفيق الحريري.
لا شكّ أن الحزب قرأ بتمعّن كلام الحريري التلفزيوني الأخير، باعتباره أكثر المعنيين فيه، لا سيما لجهة حديثه عن العقاب لمن قتل الحريري الأب. وسيربطه حكما بالسياق الذي جاءت من ضمنه تلك الرسائل عبر قناة «الحدث».
إلى الآن، لم يحصل اتصال مباشر مع الحزب، والأرجح أنه لن يحصل.
الحريري يكتفي بالتواصل المباشر مع رئيس مجلس النواب نبيه بري القادر بكل اقتدار على إدارة علاقة الثنائي الشيعي به، من دون الحاجة إلى إحراج اللقاء المباشر مع الحزب.
لكن هذا لا يعني أن الحزب لن يُدقّق في سبب هذه الاستعادة الحريرية في هذا التوقيت بالذات، وارتباطها بما هو متوقّع من تغييرات إقليمية في اليوم التالي للحرب على غزة، علما أن ثمة من قرأ في كلام الحريري بداية فكّ ربط النزاع المعلن بينهما، وملاطفة إقليمية من باب الثناء على سياسة تصفير المشاكل التي تتبعها، بدءا من علاقتها مع طهران.
وسبق أن قيل إن من أسباب ما حصل للحريري سعيه إلى تقديم نفسه كقناة حوار بين السعودية وإيران.