كتب طوني جبران في “المركزية”:
توقّفت مراجع دبلوماسية وسياسية امام الجديد الذي عبر عنه الموفد الرئاسي الاميركي الى المنطقة اموس هوكستين إلى قناة “سي أن بي سي” الأميركية بقوله “ان الوضع على الحدود بين لبنان وإسرائيل تغيّر بعد 7 تشرين الأول وسيتعيّن علينا القيام بالكثير لدعم الجيش اللبناني، وبناء الاقتصاد في جنوب لبنان، وهذا سيتطلب دعماً دولياً من الأوروبييّن وكذلك دول الخليج، وآمل أن نرى منهم الدعم في المرحلة المقبلة”. ورأت في هذه القراءة الجديدة تعبيرا واضحا عن استراتيجية جديدة لمقاربة اميركية تتناول الوضع في لبنان من بوابتي الوضع الأمني في الجنوب عقب المواجهات الجديدة بعد “طوفان الاقصى” وصولا الى كيفية إنهاء مرحلة خلو سدة الرئاسة من شاغلها.
وكشفت المراجع عبر “المركزية” أن هذه القناعة التي ترسخت لدى هوكستين عقب جولاته الاخيرة على المنطقة انما تعبر عن مسألتين مهمتين:
– الأولى انه بات ينظر بعين واحدة الى وجود نازحين لبنانيين واسرائيليين على جانبي الحدود الجنوبية وان الحديث عن هم اعادة الاسرائيليين الى مستوطناتهم ليس اولوية على اعادة النازحين اللبنانيين ايضا الى قراهم، وهو ما ادى الى الوضع الجديد الذي اشار اليه منذ السابع من تشرين الاول الماضي بعدما كان النزوح لبنانيا خلال المواجهات السابقة وان اخلى بعض المستوطنين المناطق الملاصقة للحدود فإنها بقيت إجراءات عابرة ولفترات محدودة.
– الثانية تقول ان حديثه عما هو مطلوب من “دعم الجيش اللبناني، وبناء الاقتصاد في جنوب لبنان” وعن “الدعم الدولي من الأوروبيين ودول الخليج” يعني ان واشنطن مستعدة لرعاية اعادة الاعمار في لبنان ليس على مستوى ما هدمته الحرب فحسب انما على مستوى البدء بالإصلاحات المطلوبة واعادة بناء وتعزيز المؤسسات العسكرية والادارية لينهض لبنان من جديد، وهو امر لا يتم قبل انتخاب رئيس للجمهورية واعادة تكوين السلطات بكامل المواصفات الدستورية.
وعليه، أضافت المراجع، ان موقف هوكستين يعبر عن عودته كونه “وسيطا مقبولا” من الجانبين اللبناني والاسرائيلي ويترجم المهمة الجديدة التي أوكلت اليه، وهي تكليفه بالمساعدة على إتمام الاستحقاق الدستوري بانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية عدا عن الترتيبات التي يفترض القيام بها لتهدئة الوضع في الجنوب والتأكيد على العودة الى الحدود الدولية، وهو أمر بالغ الدقة لانه سيكون عليه التنسيق مع “الخماسية الدولية” التي تسعى الى اقناع اللبنانيين بضرورة انتخاب الرئيس وتجاوز الشروط التي تعيق الخطوة أيا كان الثمن المطلوب منهم بدون استثناء اي جهة.
لذلك، وان توقفت المراجع امام القناعة الاميركية بأن شيئا مما هو مطلوب لانتخاب الرئيس لا يرى امكان تحقيق اي تقدم، في ظل الوضع المتدهور في الجنوب وأنه لا يد من انتظار تلك اللحظة، وان ارتبطت الخطوات العملية بما يمكن ان يتحقق في غزة فسيكون عليه التريث الى حين التوصل الى ما يسمى بـ”اليوم التالي” للحرب لتنطلق الجهود الداخلية من اجل اتمام الاستحقاق الدستوري.
ومما لا شك فيه، ان هذه المراجع وجدت في المواقف الأخيرة لهوكستين، وما عبرت عنه السفيرة الاميركية الجديدة ليزا جونسون في جولاتها على المسؤولين اللبنانيين أن لها ما يلاقيها من اجواء تسود مراكز القرار في الادارة المركزية الاميركية التي استقبلت في الأيام الاخيرة وفودا لبنانية نيابية وأخرى من الهيئات الاغترابية، وأكدت امامها ان لبنان لن يكون موضوع مساومة على اي طاولة من الطاولات، حيث تجري المفاوضات الثنائية والثلاثية سواء تلك التي تتصل بمصير الملف النووي الايراني او التسويات مع اسرائيل باتجاه احياء برامج التطبيع مع اسرائيل التي جمدت قبل بلوغها المرحلة الاخيرة مع المملكة العربية السعودية. وهي تخشى على ما تحقق منها حتى اليوم وفق “الاتفاقات الابراهيمية” وقبلها منذ زمن “كامب ديفيد” و”ووادي عربة” إن لم توفر الجهود المبذولة مع هذه الأطراف حلا للقضية الفلسطينية “ليس لحقن الدماء ووقف المجازر فحسب” انما “من اجل سلام عادل وشامل ومستدام” في المنطقة سواء عبر مشروع الدولتين او اي صيغة اخرى تنظم العلاقة بين الفلسطينيين واسرائيل.
وتستطرد المراجع الدبلوماسية والسياسية لتقول إن مجمل هذه المؤشرات تدل على ان تزخيم مهمة هوكستين خطوة إيجابية ومهمة. فهو بات مقبولا من مختلف الاطراف، وقد يستغني البعض عن خدمات بعض “اطراف الخماسية” من أجل ترتيب الأمور عبر القناة الاميركية بعد فشل الجهود القطرية والفرنسية التي لم تؤد الى اي نتيجة. وهو أمر سيقود – برأي الدبلوماسية الاميركية – هؤلاء إلى الإعتراف بضرورة تغيير أسلوب التعاطي مع ما طرح حتى اليوم من مبادرات فرنسية وقطرية وخلافها وانتظار عودة هوكستين بما هو منتظر ومطلوب منها.
وعليه، توجهت انظار المراجع الدبلوماسية الى التحضيرات الجارية سعيا الى “اعلان مبادئ” جديد وربما بدا الاعداد لـ”اتفاق اطار” يشبه الى حد بعيد ذلك الذي سبق إحياء المفاوضات غير المباشرة بشأن الترسيم البحري مع إسرائيل برعاية الامم المتحدة وبضمانة الادارة الاميركية، وهو امر وان تم التمهيد له مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ليس بصفته رئيسا للسلطة التشريعية في غياب رئيس الجمهورية وحسب، انما بالانابة عن “حزب الله”. مع علم الجميع بأن ايا من هذه المسارات لن يصل الى نهايته في غياب رئيس الجمهورية الذي له الحق وحده بالتعاطي مع الاتفاقات والمفاوضات الدولية.
والى تلك المرحلة التي تكتمل فيها عدة الشغل، سيبقى الوضع على ما هو عليه مع اطمئنان الادارة الاميركية انها نجحت في كبح جماح الحرب الكبرى في لبنان. وان ما يجري لم ولن يشكل تجاوزا لـ”قواعد الإشتباك” الحالية فالعمليات الامنية لا تحتسب بعمقها الجغرافي سواء جرت في النبطية او تلال جزين وقبلها في ساحل اقليم الخروب او في الضاحية الجنوبية.