كتبت نجلة حمود في “الاخبار”:
منذ أكثر من أسبوعين، تتكدّس النفايات في شوارع أكثر من 180 قرية وبلدة في محافظة عكّار، وعند مجاري الأنهر، وسط عجز تام عن إيجاد حلول. فقد انفجرت أزمة النفايات مجدداً مع إغلاق مكبّ سرار، الوحيد في المحافظة، بسبب خلافات عائلية بين مالكي الأرض التي يقع عليها المكبّ التابع لـ«شركة الأمانة العربية» التي يملكها خلدون الياسين وأشقاؤه بسبب خلافات بينهم على ملكية الأرض والحصص.أسوأ وجوه الأزمة يتبدّى في مركز المحافظة، حلبا، المهدّدة بكارثة بيئية وصحية، وحيث المؤسسات والإدارات الرسمية والمستشفيات، إذ إن «شركة الأمانة العربية» امتنعت عن جمع النفايات من المدينة منذ نحو شهر، وقبل انفجار الخلافات العائلية، بسبب عدم استيفائها مستحقاتها الشهرية.
وأوضح محافظ عكار عماد لبكي لـ«الأخبار» أن «الأزمة ذات وجهين: الأول يتعلق بنفايات حلبا لعدم قدرتنا على تأمين الكلفة الشهرية البالغة 10800دولار، بسبب ضعف الجباية وعدم وجود قانون يسمح بفرض رسوم لجمع النفايات على المواطنين والمؤسسات التجارية والصناعية، والثاني يتعلق بإغلاق المكب بوجه كل بلدات عكار»، مشيراً إلى أن صاحب الشركة «اشترط لإعادة فتح المكب أمام نفايات القرى والبلدات إقامة نقاط حماية أمنية على الطريق المؤدي الى المكب، وطلب ضمانات، وهو ما ليس بإمكان أحد ضمانه في ظل الخلافات العائلية وإطلاق النار المتكرر».
من بين عشرات المكبّات في قرى عكار وبلداتها، يعدّ مكبّ سرار الأكبر، ويستقبل يومياً بين 350 و400 طن من نفايات أربع مناطق رئيسة هي: الشفت والجومة والدريب وساحل القيطع. وقد ذاع صيته عام 2015، مع اندلاع أزمة النفايات في العاصمة، إذ طُرح كخيار لاستقبال نفايات بيروت من ضمن خطة بيئية شاملة. وبالفعل، بدأ مجلس الإنماء والإعمار أعمال الحفر والتسوية وإنشاء «باركينغ» كان مقرراً أن يستوعب نحو 500 طن من النفايات يومياً. لكن سرعان ما توقفت الأشغال مع إيجاد حلول مؤقتة لأزمة نفايات العاصمة، وتبخّرت كل الخطط!
وتراجع الحديث عن مكبّ سرار وتطويره بالتوازي مع خفوت أصوات «الحراك المدني» المطالبة بإغلاقه، ليبدأ الحديث عن خطة جديدة وضعتها الدولة إثر توقيع بروتوكول مع الاتحاد الأوروبي عام 2016 لتطبيق خطة «سوام 1» التي خصصت ٧ ملايين دولار لمعالجة النفايات في عكار (و٧ ملايين أخرى للبقاع). الخطة التي وضعتها وزارة التنمية الإدارية، ووافق عليها مجلس الوزراء، تتضمّن تحويل المكبّ إلى مطمر صحي وبناء منشآت معالجة ودعم تشغيل المنشآت وصيانتها وتقديم الدعم في المجال القانوني وشراء المعدات وتنفيذ الأعمال خلال ثلاث سنوات. انقضت المدة ولم يبصر المشروع النور، وعادت أزمة النفايات الى ما تحت الصفر بسبب الخلافات العائلية التي تهدد بتطيير المعمل، علماً أن شكوكاً تحيط بعدم تحرك القضاء لحسم الخلاف، وخصوصاً أن هناك اتفاقيات موقّعة بين أصحاب المعمل والدولة.
تغفل وجيهة الياسين، مديرة «شركة الأمانة العربية»، الأرباح الطائلة التي جنتها الشركة من الصفقات التي عقدتها مع البلديات يوم كانت الليرة بخير، مشيرة إلى «أننا جنّبنا المحافظة كارثة بيئية بإنشاء مكب في أرضنا، وكرّسنا جهودنا لتنظيم الشأن البيئي في عكار». ورداً على سؤال لـ«الأخبار» حول وضع المعمل، أجابت «إننا منذ أربع سنوات نتولّى تأمين حراسة مشددة للمعمل، ولم نطلب أي مبلغ إضافي من الدولة». واتهمت أشقاء زوجها بالإقدام على «سرقة وتكسير الآليات التي تبلغ كلفتها مليارات الدولارات وسرقة 200 ألف ليتر من المازوت… وفي حال لم تتحرك السلطات المعنية سيكون لنا حديث آخر».
الشركة تبتز البلديات
وكان عدد من الورثة من أشقاء الياسين قد عمدوا العام الماضي الى تأسيس شركة جديدة تحت اسم «شركة الشمال للبيئة المستدامة»، وبدأوا بالفعل باستقبال النفايات بأسعار منافسة لأسعار «الأمانة»، ما أدى الى تفاقم الخلافات ووقوع إشكال مسلح داخل حرم المكب، وبالتالي إقفاله بعد قطع الطرق المؤدية إليه. كذلك، عمدت «الأمانة»، من دون مراعاة أوضاع البلديات وإمكاناتها المادية، إلى رفع تسعيرة الطن من 10 دولارات الى 25 دولاراً، هي كلفة الجمع والطمر وليس المعالجة، ما يجعل «كلفة رفع النفايات في البلديات الصغيرة تصل إلى 12 ألف دولار سنوياً، فيما لا تتعدّى عائداتها من الصندوق البلدي المستقل 350 مليون ليرة سنوياً»، وفق رئيس اتحاد بلديات جرد القيطع عبد الإله زكريا، مطالباً بـ«حل جذري لمسألة إغلاق المكب وصدور حكم قضائي سريع، إذ من غير المقبول رهن 180 بلدة وقرية بخلافات شخصية». فيما دعا رئيس اتحاد بلديات نهر الأسطوان عمر الحايك إلى فتح باب المنافسة، وسأل: «لماذا لا يسمح للشركة الأخرى بالعمل، ما دامت الأرض واحدة والمعايير هي نفسها؟ وأين ذهبت أموال الاتحاد الأوروبي؟».
محمد رشيد الياسين، أحد الورثة الذين اختلفوا مع شقيقهم خلدون، أكد أنها «ليست المرة الأولى التي يتم فيها توقيفنا ظلماً بضغوط سياسية وأمنية»، مؤكداً «حقّنا بإقامة شركة خاصة ضمن أملاكنا وفقاً للقوانين المرعية، علماً أن شركة الأمانة لا تمتلك أيّ ترخيص، وتفرض أرقاماً خيالية مقابل جمع النفايات». وسأل: «لمصلحة من هذا الاحتكار؟»، مشدداً على «أننا نعمل وفقاً للأطر القانونية ونملك حق الاستثمار في العقارات التي نملكها في المنطقة نفسها، ولا سيّما أننا نملك الحصة الكبرى من العقارات الواقعة في بلدة سرار، وليقمِ القضاء بعمله وليبتَّ في الخلاف بعيداً عن الضغوط السياسية».
وزير البيئة ناصر ياسين قال لـ«الأخبار»، حول إمكانية إعطاء ترخيص جديد، إن «وزارة البيئة لا يمكنها أن تشرّع أيّ مكب عشوائي، ونسعى لإعادة تشغيل المعمل وتجهيز خلايا طمر صحي، وعلى القضاء البتّ سريعاً في الخلافات العائلية ووضع حدّ لهذا الأمر، كما على البلديات ومحافظ عكار تحمّل مسؤولياتهم». وأشار إلى «أننا في صدد إعاد المعمل للعمل مع تجهيز لمطمر صحي تحت إشراف وزارة البيئة، بعدما وافق مجلس الوزراء على انتقال الإشراف على هذه المنشآت إليها من وزارة التنمية الإدارية»، لافتاً الى أنه سيتم تمويل الأعمال بهبة من مرفق البيئة العالمي بالتعاون مع البنك الدولي.