جاء في “اللواء”:
لا ينفك السؤال يتكرر صبيحة كل يوم وصباح مطلع كل أسبوع: هل انتفى خطر إقدام اسرائيل على حرب برية، أو قصف يطال بيروت والضاحية ومدناً لبنانية أخرى بعد قصف مدينة النبطية، إحدى أكبر مدن الجنوب، بعد صيدا وصور؟ في إشارة الى أن شرارة الحرب الكبرى انطلقت في لبنان، لتشمل عموم المنطقة، لا سيما أرض الشرق الأدنى، لا سيما جغرافيا لبنان وسوريا والعراق والأردن وكل فلسطين، بما فيه الجزء المحتل المعروف «دولة اسرائيل».
المعطيات لتاريخه، من مفاوضات «صفقة الأسرى» التي يمضي إزاءها رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو فاقداً البصيرة، وحتى بديهيات العلاقات بين الدول والجماعات، الى المحادثات التي جرت في ميونيخ، في ألمانيا، بين الرئيس نجيب ميقاتي والموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين على هامش «مؤتمر الأمن السنوي»، وصولاً الى المعطيات المتاحة لدى المقاومة، تؤشر إلى ان لا توسيع لدائرة الحرب في لبنان، ليس فقط على خلفية مفاوضات هدنة وقف القتال في غزة، بل على الخلفية ـــ الأسرى أن دولة الاحتلال ليس بمقدورها الذهاب الى حرب طاحنة في لبنان، وهدفها المعلن والأكبر هو استهداف حركة حماس، وسائر حركات المقاومة التي تذيق الإحتلال مرارة القتل والاصطياد كالطرائد لجنوده، الغارقين في وحول القطاع، والعالقين في شباك رجال المقاومة البطلة، بانتظار لحظة الموت..
إذاً، يواجه قرار تصعيد الحرب أو المواجهة الجارية في الجنوب 3 استحالات بالغة الخطورة، تجعل من الممتنع اتخاذ قرار من هذا النوع في وقت قريب:
1 – الإستحالة الأولى، تتعلق بالعجز عن فتح «حربين كبيرين» في وقت واحد، في الجنوب الفلسطيني (إجتياح رفح عند الحدود المصرية)، وفي الشمال الفلسطيني (أو الجنوب اللبناني، عند الحدود مع لبنان)..
أمَّا كلام جنرالات الحرب، وخاصة وزير الدفاع، الاسرائيلي المصاب بالهستيريا والضياع النفسي والعسكري غالانت، فهو من قبيل النفخ في بوق مثقوب، وكذلك قل عن سائر تصريحات جنرالات «حكومة الحرب» او الكابينات..
ليس من الصعب على طائرات الاحتلال التي لا تفارق أجواء الجنوب، سواء طائرات الإستطلاع (MK) أو المسيرات، أو حتى الطائرات المقاتلة، أن تزرع القنابل، وتطلق الصواريخ، وتغتال المواطنين الآمنين أو تدمر المنازل والطرقات والأشجار والأبقار والمزروعات، وتهدّد الحياة الآمنة، وتهجّر المواطنين، فهي وجدت لهذا الغرض، ولكن كلفة ما بعد ذلك، لن تكون يسيرة، بل ذات ثمن باهظ، من قبل المقاومة وصواريخها..
وحسب ما يرشح من معلومات أو تسريبات أو تحليلات عسكرية، فإن رئيس أركان جيش الإحتلال، لا يرى مبرراً لتوسيع الحرب، ما دام الطرف الآخر، أي حزب الله يدفع ثمناً باهظاً لفتح جبهة الجنوب.
2 – الإستحالة الثانية: تتعلق بعدم قدرة الاحتلال على احتمال ضربات مدمرة، تطال مدنه التي ما تزال بعيدة عن خطوط النار، لا سيما مرافئه في حيفا، ويافا وعكا، فضلاً عن الساحل الفلسطيني كلّه (أي الساحل الاسرائيلي حالياً). والمقاومة في الحالة هذه، من المستحيل أن يقتصر ردّها على إيصال الرسائل للاحتلال فقط، بل هي ستسعى بالتأكيد إلى ضرب الاقتصاد والمنشآت العسكرية، وتدمير المدن من حيفا الى ما بعد حيفا، على نحو ما قد يحصل في لبنان..
وستفتح الجبهات كلها مرة واحدة، في لبنان، والبقاع، وسوريا والجولان والعراق، امتداداً الى اليمن، فضلاً عن دور أفعل لزعيم المحور (إيران).
3 – الإستحالة الثالثة: قبول الأميركيين والأوروبيين (الفرنسيون والانكليز بشكل خاص) بحرب طاحنة مع لبنان، ستتأثر بالتأكيد مصالحهم المباشرة بمجرياتها وحتى بنتائجها، وهم يرفضون المغامرة التي يفكر بالإقدام عليها نتنياهو في مدينة رفح.. والتي يمطرها ليلاً ونهاراً بالغارات من الجو والبر والبحر..
إزاء هذه الاستحالات الرادعة، تمضي جبهة لبنان في إكمال دور المساندة والإشغال لجيش الاحتلال لتخفيف الضغط العسكري على مدن القطاع ومخيماته وشواطئه وأراضيه التي دمرت وتكاد بالكامل، مع اقتراب عدد الشهداء والجرحى من المائة ألف شهيد وجريح ومصاب..
ولئن كانت مجريات الحرب ولادة احتمالات، ومتغيرات، تجمع بين المجريات الطبيعة وعناصر المفاجأة، فإن مرحلة طويلة دخلتها المنطقة العربية، بعد طوفان الأقصى، وهي ترسم بالحديد والنار مسار تغيرات تاريخية، بعيدة واستراتيجية لسنوات مقبلة في بحر القرن الحادي والعشرين الجاري..
فليس من قبيل الصدقة مثلاً أن تتصاعد وتيرة الجنوح الأميركي والدولي الى ما يسمى بـ «حلّ الدولتين» بمعنى عدم إمكانية لرؤية استقرار في المنطقة، خارج دولة فلسطينية مستقلة، ذات سيادة، وذات حدود، وقابلة للحياة..
يشترط وزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن اعتراف الفلسطينيين بحق اسرائيل كدولة بالحياة، ومع أن المشكلة ليست هنا، فإن اتفاقيات اوسلو، وكمب ديفيد والتي نمت برعاية أميركية تؤكد ان الفلسطينيين مضوا منذ العام 1996 الى هذا السبيل. والمشكلة في الاحتلال الذي أراد تهويد أراضي السلطة، والمسّ بالمقدسات الاسلامية والمسيحية، والعودة الى نغمة «يهودية الدولة»، عبر القتل والتهجير والتطهير العرقي والإبادة الجماعية..
الحرب هي السياسة بأدوات العنف. ففي السياسة لا شرق أوسط (قديم أو جديد) مستقر بلا دولة للفلسطينيين، أو الذهاب إلى 75 سنة حرب بدل 75 سنة حرب واستقرار هو عمر «دولة الإحتلال»!