كتبت كارولين عاكوم في “الشرق الأوسط”:
مع بدء العد العكسي للانتخابات البلدية في لبنان والتي يفترض أن تجرى كحد أقصى في 31 مايو (أيار) المقبل، بدأ الحديث عن تأجيل هذا الاستحقاق للمرة الثالثة على التوالي، بعدما كان قد أجّل مرتين في عامي 2023 و2024.
وإذا كان التأجيل الأخير بسبب عدم توفّر الاعتمادات المالية وعوائق لوجيستية مرتبطة بقدرة القوى الأمنية على حماية الانتخابات وتأمين عدد العناصر على الأرض، تأتي الحرب الدائرة في الجنوب اليوم، لتشكّل سبباً بالنسبة إلى مرجّحي وطارحي التأجيل هذه المرة، وهو ما تحذّر منه بعض الأحزاب والكتل النيابية، إضافة إلى الخبراء القانونيين والجمعيات المعنية بمتابعة الانتخابات في لبنان.
وبعدما كان وزير الداخلية بسام مولوي، أكد أن وزارته جاهزة لإجراء الانتخابات البلدية، رمى أخيراً الكرة في ملعب البرلمان اللبناني، قائلاً: «نأمل في أن تنتهي الحرب بالجنوب قبل شهر مايو المقبل، لنتمكّن من إجراء الانتخابات، وفي حال لم يؤجلها مجلس النواب لا يمكننا إلا أن نجريها وأن نطبق القانون».
وتشير مصادر وزارة الداخلية التي نشرت القوائم الانتخابية، إلى أن العمل على خطة إنجاز الانتخابات قد بدأ، ومن المفترض أن تجرى خلال شهر مايو المقبل، مرجّحة أن تبدأ في الأسبوع الثاني من الشهر، وتنتهي في الأسبوع الأخير منه، علماً بأنه وفق القانون من المفترض أن تتم دعوة الهيئات الناخبة قبل شهرين من موعد الانتخابات، أي في نهاية شهر فبراير (الحالي).
هذا ما يفترض أن يكون عليه الوضع لإنجاز الاستحقاق. أما عملياً فيبدو البعض مقتنعاً بأن الانتخابات لن تجرى لأسباب عدة؛ هي إضافة الى الفراغ في رئاسة الجمهورية، الحرب في الجنوب. وهذا ما تشير إليه مصادر نيابية، مذكّرة بموقف «التيار الوطني الحر» الذي رفض إجراء الانتخابات في غياب الرئيس، ومتوقفة عند الوضع في الجنوب، بالقول لـ«الشرق الأوسط»: «كيف يمكن إجراء الانتخابات في ظل الوضع القائم بالجنوب؟». وسألت المصادر: «هل منطقة جدرا (التي شهدت محاولة اغتيال قيادي في «حزب الله» وأدت إلى مقتل 3 أشخاص) في الجنوب؟ وهل منطقة الغازية على الحدود؟». وأضافت أن «قرار التأجيل ليس سهلاً، وعلى الحكومة أن تحمل على عاتقها مسؤولية إجرائها مع ما يمكن أن تحمله من تداعيات، أو على البرلمان القيام بخطوة تأجيلها».
ورغم أنه في عام 1998، كانت قد استثنت بلدات الجنوب الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي في الانتخابات البلدية التي أجريت آنذاك، لا يبدو أن هناك توجّهاً لفصل بلدات الجنوب اليوم الواقعة تحت الحرب عن هذا الاستحقاق وإنجازه في بقية المناطق والمحافظات، بحسب ما تقول المصادر النيابية.
وفي حين تغيب الحركة الواضحة من قبل الأحزاب، باستثناء بعض التحركات التي تسجّل في بعض البلدات التي تخوض معركة البلديات بخلفيات عائلية وليست حزبية، ترفع معظم الأحزاب صوتها رافضة التأجيل، علماً بأن عدد البلديات المنحلة يبلغ 126 بلدية من أصل 1026، بحسب «الدولية للمعلومات».
وهذا ما يؤكد عليه كل من حزب «الكتائب اللبنانية» وحزب «القوات اللبنانية» والحزب «التقدمي الاشتراكي»، لا سيما أنه تم رصد 110 ملايين دولار في موازنة 2024 لهذه الانتخابات.
ويقول النائب بلال عبد الله (الاشتراكي) لـ«الشرق الأوسط»: «نحن طبعاً مع إجراء الانتخابات البلدية التي باتت ضرورية، لكن المشكلة تكمن في الوضع الأمني، تحديداً الحرب في الجنوب وتداعياتها في لبنان»، مضيفاً: «تم تجاوز العائق المالي الذي حال دون إجراء الانتخابات العام الماضي، لكن اليوم هناك المعطى الأمني الذي يجب التوقف عنده، ويبقى القرار عند الحكومة ومجلس النواب».
من جهتها، ترفض مصادر «الكتائب»، الذي سبق له أن قدّمت كتلته طعناً أمام المجلس الدستوري بالتمديد عام 2023، الحديث عن حجج لتأجيل الانتخابات البلدية، مشيرة إلى أنه في ظل الأوضاع التي يمر بها لبنان، حيث تعطّل عمل معظم مؤسسات الدولة، «نحن اليوم بحاجة إلى إجراء الانتخابات البلدية، لا سيما أن مهام كثيرة تقع على عاتق هذه البلديات».
كذلك تشدد مصادر «القوات» على ضرورة إجراء الانتخابات البلدية، مشيرة إلى أن الحزب بدأ التحضير للاستحقاق.
وفي هذا الإطار، أصدر رئيس «القوات» سمير جعجع، بياناً رفض فيه «التذرُّع بالوضع العسكري في الجنوب لإكمال شلل البلد»، مقترحاً تأجيلها فقط في البلدات التي تشهد عمليات عسكرية.
وأشار إلى أن قانون الانتخابات يقتضي دعوة الهيئات الناخبة أقله قبل 90 يوماً من موعد الاستحقاق، ما يتطلّب من وزير الداخلية إصدار مرسوم دعوة الهيئات الناخبة قبل 26 من الشهر الحالي، مقترحاً «التفكير بتأجيل الانتخابات في البلدات التي تشهد عمليات عسكرية كونها تعيش ظرفاً قاهراً». وذكّر بأنّ كثيراً من البلديات أصبح منحلاً، والغالبية الأخرى أصابها الشلل والملل جراء التمديد».
ومن الناحية القانونية، يقول الخبير الدستوري رئيس جمعية «جوستيسيا» الحقوقية، بول مرقص، لـ«الشرق الأوسط»، إن «أي تأجيل للانتخابات والتمديد للمجالس البلدية والاختيارية يحتاج إلى قانون يصدر عن البرلمان ويكون خاضعاً للمراجعة من المجلس الدستوري، في حال تقدّم 10 نواب أو إحدى المرجعيات الدستورية المعنية بطلب إبطاله». ومع تأكيد مرقص أنه «لا يجوز تأجيل الكل بحجة الجزء»، لفت إلى أنه يمكن إجراء التأجيل في المناطق التي تشهد نزاعات أو حرباً.
وفي الإطار نفسه، كانت «الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات – لادي»، قد حذّرت من تأجيل الانتخابات، كاشفة أن هناك «توجهاً لاستخدام الاعتداءات الإسرائيلية على جنوب لبنان ذريعة لتمديد ثالث تضمره السلطة».
وفي حين عدّت أنه تم تمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية مرّتين سابقاً لأسباب واهية، أكدت في بيان لها، أن «السلطة ملزمة بإجراء هذا الاستحقاق من دون تأجيل، ولأي سبب كان، انطلاقاً من اعتبارات عديدة، وهي وجوب احترام الدستور والقانون والمبادئ الديمقراطية والوكالة الشعبية، إضافة إلى ضرورة وجود مجالس بلدية تعالج التداعيات القاسية للأزمات المتعدّدة على المواطنين».