كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
غادر الرئيس سعد الحريري بيروت بعد أسبوع حافل باللقاءات والرسائل السياسية، خلافاً لمروره العابر أثناء مشاركته في إحياء ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري العام الماضي.
خلال هذا الأسبوع «المكثّف»، علّق الحريري قرار تعليق عمله السياسي وأجرى نوعاً من «الروداج» لإعادة تنشيط محركات «بيت الوسط» وتيار «المستقبل» إثر مرور وقت طويل على انطفائها، حيث بدا متحلياً بأقصى حيويته ومقيماً في قلب السياسة، وكأنّه كان يحاول ان يستفيد من كل دقيقة له في بيروت للتعويض عن غيابه السابق.. واللاحق.
ولعلّ من أهم الاستنتاجات التي تولّدت عن زيارة الحريري «الكاملة الدسم»، هو انّ غيابه الكامل على امتداد عامين لم يؤدِ إلى خروجه من المعادلة الداخلية، بل بقي مقعده فيها «محجوزاً» له ومُسجّلاً باسمه الى حين ان يقرّر استعادته في التوقيت الذي يعتبره مناسباً.
لقد ظهر انّ بيئته الشعبية لم تتخلّ عنه خلافاً لمعادلة «البعد جفا»، فبادرت الى ملاقاته فور رجوعه، في انعكاس لتعاطفها معه، بعدما شعرت انّه كان «ضحية» تعرّضت لمظلومية، وانّه الوحيد بين نظرائه الذي دفع الثمن ولم يتقاضاه.
كذلك الأمر بالنسبة إلى القوى السياسية التي تبيّن انّها لم تستبدل الحريري، وبقيت تفضّله على خيارات أخرى، لم تستطع ان تملأ الفراغ الذي تركه ولم تملك القدرة على تمثيل جزء واسع من المكون السنّي، مع ما تركه ذلك من انعكاسات سلبية على التوازن الداخلي المستند الى الأقطاب الأقوياء في الطوائف، وهذا ما عانى منه على سبيل المثال الرئيس نبيه بري عندما كان يحار في طريقة تمثيل البيئة السنّية على اي طاولة حوار وطني، بينما لم يكن يواجه مثل هذا الاختبار في ظلّ وجود الحريري، علماً انّ هناك من يفترض انّ التنوع في داخل هذه الطائفة كما في غيرها، هو امر إيجابي وصحي يعزز العملية الديموقراطية وتداول السلطة، وانّ المطلوب تعميم التنوع وليس تقليصه.
وهناك من يرجح ان تكتمل العودة النهائية للحريري الى السياسة مع الانتخابات النيابية عام 2026، حيث من المتوقع أن يخوض تلك الانتخابات بلوائح كاسحة، من شأنها ان تعيده اولاً الى المجلس بكتلة كبيرة، وثانياً الى رئاسة الحكومة، وفق تقديرات المتعاطفين معه.
وتروي إحدى الشخصيات التي زارت الحريري انّها خاطبته بالقول: «لو كنت حاضراً معنا في المعترك السياسي، لكان لدينا الآن رئيس للجمهورية. فأنت تحترف صنع التسويات».
وتعتبر تلك الشخصية انّ الداخل والخارج اكتشفا أن لا بديل من الحريري، بمعزل عمّا إذا كان حليفاً ام خصماً، لافتةً إلى انّ هناك علامات فارقة عدة طبعت فترة وجوده في لبنان، ومن بينها:
ـ زيارة السفيرة الأميركية «بيت الوسط» التي تعكس إشارة إلى موقف اميركي داعم لعودة الحريري الدائمة الى البلد والسياسة.
ـ ظهور الحريري على قناة «الحدث» السعودية، في اول مقابلة تلفزيونية له بعد انقطاع طويل، وفي ذلك دلالة الى معالم انفتاح متبادل عقب مرحلة القطيعة والجفاء، وإن يكن لدى البعض إقتناع بأنّ العلاقة بين الجانبين لم تستعد سويتها بعد، وانّ حظر الرياض على دور «مستدام» لرئيس تيار «المستقبل» لا يزال ساري المفعول.
– استضافة الحريري لرئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية على مائدة «بيت الوسط»، الأمر الذي اعطى لقاءهما خصوصية لا يمكن فصلها عن كون فرنجية مرشحاً لرئاسة الجمهورية.
ـ زيارة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان للحريري على رأس وفد كبير من المشايخ، بكل ما تختزنه هذه المبادرة من تغطية سنّية تمثلها دار الفتوى لموقع الحريري، ومن إقرار بأنّه يبقى المرجع السياسي الأساسي للطائفة.