كتب حسين زلغوط في “أللواء”:
في الوقت الذي تعيش فيه الساحة الداخلة نوعاً من التصحر السياسي، بفعل انسداد شرايين التواصل بين القوى السياسية بشأن الإستحقاق الرئاسي، حيث بات العقم سيد المشهد في هذا المجال، ولم يتبقَّ أمام اللبنانيين الا الرهان على تسوية ما في المنطقة، لم تظهر الى الآن أي معطيات تؤشر الى قرب موعدها، تستمر الاتصالات والمشاروات بين دول القرار حول لبنان، ليس فقط في ما خص الاستحقاق الرئاسي وحسب انما ايضا بشأن الاوضاع الجنوبية لتفادي تمدد الحرب الاسرائيلية نحو الاراضي اللبنانية، ويأتي في مقدمة الدول التي تعطي الملف اللبناني من مختلف زواياه السياسية والعسكرية والاقتصادية فرنسا، التي يقوم رئيسها ايمانويل ماكرون يوميا بالاتصالات مع الدول المعنية بغية تبادل الأفكار والمقترحات، إن على صعيد انتخاب رئيس، أو على صعيد عدم اتساع رقعة
الحريق المندلع في الجنوب، نتيجة المواجهات العسكرية في هذه المنطقة.
ويبدو حتى الساعة أنه لا يوجد ما يسر القلب، على الرغم من كل المحاولات الجارية لإيجاد الحلول، فعلى مستوى الاستحقاق الرئاسي فإن عجلة الموفدين الدوليين متوقفة، وإن الزيارة التي قيل انها ستحصل قبل نهاية اذار للموفد الفرنسي جان ايف لودريان، يبدو انها تأجلت حيث لم تتبلغ وزارة الخارجية اللبنانية بأي طلب لتحديد مواعيد له، كما أن أجندة عين التينة كما السراي لم يدرج عليها اي اشارة الى امكانية استقبال لودريان في وقت قريب، اضافة الى ان اللقاء الذي عقد في قصر الصنوبر بناء على دعوة السفير الفرنسي هيرفي ماغرو لنظرائه في «الخماسية» بقي في اطار التشاور والحث على انتخاب رئيس، والحؤول دون اتساع رقعة الحرب في لبنان، وهو جاء من حيث الشكل والمضمون على شاكلة اللقاء الذي جمع السفراء الخمسة منذ اسابيع في دارة السفير السعودي في لبنان وليد بخاري، وهو ما يعني أن الحلول لم تنضج بعد في المنطقة لكي يستفيد منها لبنان.
وتؤكد كل المؤشرات التي تسجل يومياً أن كل شيء بات مجمداً الى حين أن تضع الحرب في غزة أوزارها، والدليل أنه حتى المبادرة الفرنسية التي حملها وزير خارجية فرنسا الى المسؤولين لم تُحَطْ بالاهتمام اللازم، وقد ظهر من خلال المواقف التي اطلقت بالمباشر وغير المباشر بشأنها على انها ولدت ميتة، وقد وصفت هذه المبادرة على انها اقرب الى تفاهم نيسان منه الى القرار 1701، الذي يطالب لبنان بتطبيقه كاملا، وقد أبدت فرنسا وفق المعلومات عن استعدادها لإسقاط بعض التعديلات، لكن حتى هذا الطرح لم يلقَ قبولاً من لبنان، لا سيما من «حزب الله» الذي يرى في حركة الموفدين الدوليين محاولة لتخفيف الضغط عن اسرائيل لا سيما ما يتعلق منها بموضوع المستوطنات والعمل على اعادة المستوطنين الى منازلهم، بمعنى ان الحزب يعتبر الحراك الدولي تجاه لبنان منحازاً الى الضفة الاسرائيلية، مع تأكيده أن أي بحث في وقف النار على الجبهة الجنوبية لا يمكن أن يتوقف ما لم تتوقف الحرب على غزة، وهذه المعادلة واضب «حزب الله» على ايصالها الى كل من يعنيه الأمر.
من هنا فإن المشهد اللبناني يبدو أنه سيبقى مبعثراً لمدة طويلة، وأن المسار اللبناني بات مرتبطاً بمسار الحرب في غزة، لأن «حزب الله» وكما يرى متابعون لن يدع اسرائيل تنتصر في غزة والقضاء على أحد أعمدة محور الممانعة، ويبقى واقفا يتفرج، فصحيح هو لا يريد توسعة الحرب على مستوى لبنان لاعتبارات خاصة تتعلق بتعقيدات المشهد اللبناني الداخلي، غير انه لن يتوانى في حال شعر ان «حماس» في ضيق، أو ان اسرائيل استمرت في تجاوز قواعد الاشتباك بشكل بات يسبب ضررا كبيرا على لبنان ومحور المقاومة من أن تخوض حرباً مفتوحة مع اسرائيل لا سقوف فيها، ولا قواعد اشتباك، أو خطوط حمر، والمقاومة في تقدير هؤلاء المتابعين لديها القدرة على المواجهة وضرب الكيان الاسرائيلي في أماكن لم تكن تخطر في بال لا قيادته السياسية ولا العسكرية، لا بل ان تل ابيب ستصاب بالهلع والذهول جراء ما سيلحق بها في حال استمرت على تعنتها، وأن الولايات المتحدة التي تسعى للحد من توسعة الحرب على الجبهة الجنوبية، ليس هدفها الحفاظ على استقرار لبنان، بقدر ما هو خوف على ما يمكن أن تعانيه اسرائيل جراء الحرب الواسعة، لأن واشنطن كما اسرائيل تدرك حجم القوة العسكرية التي تمتلكها المقاومة، والتي تمنع أن تكون الحرب على لبنان نزهة كما حصل في سبعينيات القرن الماضي.