كتبت ملاك عقيل في “أساس ميديا”:
يَصعب جدّاً الفصل بين انفلاش رقعة التصعيد جنوباً وصولاً إلى صيدا، وربّما زحفاً نحو الضاحية، والرهان على إعادة تحريك الملفّ الرئاسي لمجرّد حصول “جَمعَة” دبلوماسية في قصر الصنوبر. كلّ المعطيات تشير إلى صعوبة إحداث أيّ خرق رئاسي لأنّ الكلمة لـ “الميدان”. بالمقابل، سُلّطت الأضواء داخلياً على معطيَين غير مرتبطين ببعضهما: عودة السفير السعودي وليد البخاري إلى بيروت بالتزامن مع مغادرة الرئيس سعد الحريري إلى أبو ظبي، وإطلاق الرئيس ميشال عون مواقف يصلح وصفها بـ “اللغم” الذي فجّر البند رقم 10 حول “حماية لبنان من الأخطار الإسرائيلية”، آخر البنود “الصامدة” في ورقة التفاهم مع الحزب.
بدلاً من تأكيد التسريبات التي تحدّثت عن لقاءات مرتقبة لسفراء “اللجنة الخماسية” مع كلّ القيادات اللبنانية، اكتفى هؤلاء أخيراً بلقاء بعضهم بعضاً في جلسات تشاور وجوجلة أفكار أقرب إلى توطيد العلاقات بعد التحاق السفيرة الأميركية ليزا جونسون بمهامّها الدبلوماسية في لبنان منذ أقلّ من شهرين.
لقد سَبَقَ الزيارة اليتيمة لعين التينة ولقاء الرئيس نبيه بري في 30 كانون الثاني الماضي لقاء لأعضاء الخماسية في دارة السفير السعودي وليد البخاري في اليرزة، ثمّ لقاء أمس في مقرّ السفارة الفرنسية في قصر الصنوبر الذي بدا العلامة الفارقة فيه السفير السعودي.
إضافة إلى ذلك سلّة اللقاءات التي أجراها السفير البخاري في السعودية من ضمنها الاجتماع مع مستشار الديوان الملكي نزار العلولا، والجهد الفرنسي مع دول القرار لإقامة مؤتمر دعم الجيش في باريس وروما. لكن معلومات “أساس” تشير إلى أنّ مؤتمر باريس تمّ تأجيل موعده لاستكمال التحضيرات اللازمة التي لم تجهز بعد، فيما مؤتمر روما يقتصر على لقاء بين قادة الجيوش الايطالي والفرنسي والاسباني والبريطاني والالماني.
يحدث ذلك فيما نَعي الحوار الداخلي مستمرّ والوضع الجنوبي يزيد استعصاءً مع نقل جهات دبلوماسية تحذيرات إلى لبنان من أنّ اجتياح إسرائيل البرّي لرفح بات حتميّاً و”نسعى لكي لا تكون لذلك تأثيرات مباشرة على إدارة الحزب للمعركة قد تجرّ إلى ردّات فعل إسرائيلية تُخرِج هذه المرّة معادلة الاشتباك الصاروخي بين إسرائيل والحزب عن السيطرة، وتجعل من كلّ المحاولات لوضع ترتيبات أمنيّة في الجنوب ورسم خارطة طريق لحلّ الملفّ الرئاسي من خارج السياق الزمني للأحداث”.
في هذا السياق يستبعد مصدر سياسي في حديثه لـ “أساس” أن يسفر لقاء قصر الصنوبر أقلّه في الوقت الراهن عن نتائج أبعد من “اتفاق الإطار” مع “الخماسية” الذي أُعلن عنه سابقاً ووصفها بـ”مجموعة دعم مسانِدة للنواب لتسهيل انتخاب الرئيس، وأن لا مرشّح لها ولا تضع فيتو على أيّ من المرشّحين”.
قد يكون التوصيف الأدقّ للوضع الراهن هو الإنذار الذي أطلقه النائب السابق وليد جنبلاط العائد من موسكو الذي تحدّث “عن حرب مفتوحة (في لبنان) قد تستغرق أشهراً أو أكثر”، لكنّ الاقتراحات التي قدّمها تبدو بعيدة عن الواقع في ظلّ رفض الحزب لها ما دامت حرب غزة مشتعلة، وهي: “حصر النزاع عبر حلّ المشاكل الحدودية العالقة والتقيّد بتنفيذ القرار 1701 واتفاق الهدنة”.
في هذا السياق تحديداً ومن زاوية تسليط الضوء على تطوّرات الداخل خرقت مشهدية التأزيم العسكري والسياسي مواقف لافتة جداً لرئيس الجمهورية السابق ميشال عون في شأن الحرب في الجنوب واحتمال استثمار الميدان في الرئاسة.
بدا عون كمَنْ لم يتابع أو لم يقتنع بكلام السيد حسن نصرالله الأخير الذي أكّد رفض قيادة الحزب حصول أيّ مقايضة بين الوضع في الجنوب وانتخاب الرئيس قائلاً: “هذا أمر مرتبط بسيادة لبنان، ولا أحد يحقّ له جزئياً أن يساوم عليه. ما بيروح حزب لوحده يفاوض ويفصّل. الاستقلال مش ملك حزب وستكون أكبر خسارة (إذا حصل ذلك)”.
كما نَسَف الرئيس عون جوهر المعادلة التي استند إليها الحزب، في العلن، تبريراً لمشاركته انطلاقاً من جنوب لبنان في المواجهة العسكرية ضدّ إسرائيل، والقائمة على فكرة الإسناد والحرب الاستباقية، مؤكّداً أنّ “هذا رأي وليست هناك مؤشّرات إلى ذلك، كما أنّ دخولنا بالمعركة لا يُبعد الخطر عنّا، لا بل ممكن أن يزيده”.
أمّا عن الجهة التي ستفصل بين إسرائيل والحزب فقال: “من يفصل هم من يقاتلون، ومن دخل الحرب”، قاصداً الحزب ما دامت الحكومة ساكتة وعاجزة “ومش قصة إرادة”، مذكّراً بأنّنا “لسنا مرتبطين باتفاق دفاعي مع غزة”.
لكنّ الموقف الأكثر استفزازاً للحزب قد يكون تأكيد عون أنّ “السلام لا يتحقّق وسط التشدّد، بل مع اعتراف كلّ طرف بالآخر (إسرائيل وحماس) والقبول بالشروط المتبادلة وإلّا فستكمّل الحرب وتنتهي بأحد يكسر الآخر”.
مواقف الرئيس عون لم تُقابل أمس بأي ردّة فعل من جانب قيادات الحزب فيما اشتعلت الجبهة العونية تأييداً. مقابلة عون عبر محطة “أو تي في” التي لاقت صدى سلبياً جداً عند جمهور المقاومة على مواقع التواصل والذي رأى فيها انقلاباً على مواقفه أبّان حرب تموز، استكملت أمس بتأكيد باسيل “أنّنا ضد ربط وقف حرب الجنوب بوقف حرب غزّة ولسنا مع استعمال لبنان منصّة هجمات على فلسطين المحتلّة وأنّ على لبنان أن يدعم ما يريده الفلسطينيون لا أن يقوم هو به عنهم”.
كما تحدّث باسيل عن “الخيط الرفيع بين الحرب واللا حرب ومسؤولية من يسير عليه ويقرّر عن وقوع الحرب أو عدمها لأنه هو من سيتحمّل وحده مسؤوليتها في حال وقعت، وعليه أن يعي أنّ الناس، ونحن على رأسهم، سنكون معه أو ضدّه بحسب صوابية قراره”.
وخاطب الحزب دون أن يذكره قائلاً: “هو يتحمّل مسؤولية وحدة البلد إذا انقسم اللبنانيون حيال وقوع الحرب وحيال الملّف الداخلي المتمثّل بخطر إقصاء المسيحيين بالتدرّج عن الحكم وإدارة الدولة بدءًا من اختيار رئيس نيابة عنهم أو منع انتخاب رئيس وضرب الشراكة”.
كما وازن باسيل للمرّة الأولى بالمكيال نفسه بين خطرين: “إذا صار الانقسام بدل ما نكون بحديث واحد اليوم عن حماية البلد من الإسرائيلي صار لازم نحمي حالنا من خطر الممارسات السياسية لشركائنا بالوطن!”.
في مطلق الأحوال، لم يعد مُمكِناً حَجب تأثير سوء العلاقة بين الحزب من جهة وعون وباسيل من جهة أخرى على مجمل الملفّات، وهو الأمر الذي يقرّ به الطرفان، والتأثير بنتائجه الأولى سيترجَم حتماً في الملفّ الرئاسي.
إذا كانت اللجنة الخماسية تضغط من أجل حصول تسوية داخلية على اسم رئيس الجمهورية فإنّ إحدى أكبر العقد، بتأكيد مصادر مطّلعة على كواليس الملفّ الرئاسي، هي مدى ذهاب الحزب بعيداً في استعداء حليفه المسيحي، حيث إنّ الخيارين الأساسيَّين الأكثر جدّية حتى اللحظة الراهنة هما سليمان فرنجية وقائد الجيش جوزف عون، وتغطية الحزب لانتخاب أيّ منهما قد تكسر الجرّة نهائياً مع السيّد نصرالله وتخسّره الحليف المسيحي الأكثر تمثيلاً.