كتب محمد شقير في “الشرق الاوسط”:
يخطئ من يعتقد أن «حزب الله» فوجئ باستدارة رئيس الجمهورية السابق ميشال عون ووريثه السياسي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل ضد وحدة الساحات بربط الوضع في الجنوب بالحرب الدائرة في قطاع غزة، وكان يتوقع، كما تقول مصادره لـ«الشرق الأوسط»، أن يبادر شريكه في ورقة التفاهم في أي لحظة إلى إسقاط التفاهم الذي مضى على توقيعه 18 عاماً بالضربة القاضية بعد أن تراجع رهانه على عون لقطع الطريق على صهره من التفلُّت منه والتموضع في مكان يتيح له التناغم وقوى المعارضة في الشارع المسيحي التي تشكل رافعة سياسية في مناوأتها لانخراط الحزب بقرار منفرد في المواجهة مع إسرائيل نصرةً لحركة «حماس» في الجبهة الغزاوية.
فتفاهم «حزب الله» و«التيار الوطني» بدأ يدخل، وقبل أن تنتهي ولاية الرئيس عون، في موت سريري يصعب إنقاذه، من دون أن يبادر أحدهما إلى نعيه رسمياً، رغم أن الحزب ينأى بنفسه حتى الساعة عن الدخول في سجال مع عون وباسيل أو التعليق على انتقادات النواب المحسوبين عليه بأنه كان وراء الإخفاقات دون تمكن عون من إعادة الاعتبار لقيام مشروع الدولة على خلفية إخلاله في الشراكة لمكافحة الفساد، في إشارة إلى مراعاة حليفه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، رغم أن باسيل أراد بموقفه، الذي غمز فيه من قناة الحزب، أن يتمايز عن المعارضة باتخاذ خطوة مرنة من التشاور أو الحوار مقترباً بذلك من خصمه اللدود الرئيس بري.
أما لماذا استعجل باسيل إعلان الطلاق السياسي مع «حزب الله» والتعاطي مع ورقة التفاهم التي وقّعها عون قبل انتخابه رئيساً مع الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصرالله وكأنها لم تكن بعد أن ساهمت في إيصاله إلى سدة الرئاسة الأولى، وفي كسبه بتحالفه معه عدداً من المقاعد النيابية مكّنته من أن يترأس أكبر كتلة نيابية في البرلمان؟
في الإجابة عن السؤال لا بد من الإشارة إلى أن الرئيس عون بموقفه المستجد من الحزب مهد الطريق لباسيل للإغارة على ورقة التفاهم، بذريعة أن مفاعيلها السياسية انتهت ولم يعد من مجال لتعويمها، فيما يدخل لبنان في مرحلة سياسية جديدة تبقى معالمها عالقة على ما سيؤول إليه الوضع على الجبهة الغزاوية من دون التقليل، كما تقول مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط»، من حجم الاختلاف بين «التيار الوطني» والحزب في مقاربتهما للملف الرئاسي من موقع التباين الناجم عن تبنّي الحزب لدعم ترشيح رئيس تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية والذي كان وراء اندفاع باسيل للتقاطع مع المعارضة و«اللقاء الديمقراطي» على ترشيح منافسه الوزير السابق جهاد أزعور.
ورغم أن تباينهما في مقاربتهما لملف انتخاب الرئيس لم يكن السبب الوحيد الذي كان وراء استعجال باسيل لفك تحالفه مع الحزب، فإن «التيار الوطني» لم يغفر لحليفه اللدود توفير الغطاء السياسي لاستمرار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في مصادرته للصلاحيات المناطة برئيس الجمهورية من جهة، وفي تسهيله التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون وتعيين رئيس للأركان وإعطائه الأولوية لتحالفه الاستراتيجي مع الرئيس بري من جهة ثانية.
كما أن باسيل، بحسب خصومه، لم يقبض ثمن العقوبات الأميركية المفروضة عليه بذريعة تحالفه مع الحزب، وكان يُفترض به التماهي معه في رفضه ترشيح فرنجية والوقوف على رأيه، خصوصاً أن الرئيس عون هو من أشد المعارضين لانتخابه، وكان وراء توفير الغطاء السياسي للحزب ووقوفه إلى جانبه في الحملات التي استهدفته، ما أدى إلى تدهور علاقاته بمعظم الدول العربية.
لكن لم تُعرف الأسباب الكامنة وراء تريُّث الرئيس عون وباسيل في توقيت استدارتهما ضد وحدة الساحات، مع أن الحزب بادر منذ اليوم الأول لبدء الهجوم الإسرائيلي على غزة، في 8 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى مساندته لـ«حماس» بإشغال إسرائيل على امتداد الجبهة الشمالية للتخفيف من الضغط على «حماس»، وبربطه الجبهة الجنوبية بوقف العدوان على غزة.
وفي هذا السياق، تقول المصادر السياسية إن «التيار الوطني» بادر، ولو متأخراً، إلى غسل يديه من التداعيات المترتبة على اشتعال الجبهة في الجنوب واحتمال لجوء إسرائيل إلى توسعة الحرب، وتؤكد أن باسيل أجرى قراءة مستفيضة للتحوّلات في المنطقة، وإنما هذه المرة بإشراك الرئيس عون الذي قرر أن يجدد مساعيه لاسترداد ما يسمى بـ«الحرس القديم» الذي كان استقال أو أُقيل من التيار، وأن استردادهم يتطلب منه إعادة تصويب الموقف السياسي بدءاً من تمايزه جنوباً عن الحزب لملاقاة الكنيسة المارونية والمعارضة المسيحية في منتصف الطريق.
وتلفت المصادر نفسها إلى أن باسيل أراد أن يسترد حيثيته في الشارع المسيحي بغية الحفاظ على تماسك التيار وقاعدته الحزبية التي لا يروق لها تفرُّد باسيل في موقفه حيال المواجهة المشتعلة في الجنوب لجهة وقوفه إلى جانب الحزب بدلاً من التمايز عنه استجابة لنبض الشارع المسيحي الذي يقف وراء الكنيسة المارونية في رفضها لتفرّد الحزب بقرار السلم والحرب بالإنابة عن الدولة.
وتؤكد أن باسيل أراد أن يعلن تمايزه بالصوت والصورة عن الحزب، على أمل استرداده لعلاقاته العربية من جهة، وتمريره رسالة دعم للذين يأخذون على عاتقهم التحرك لدى الإدارة الأميركية لرفع العقوبات المفروضة عليه، بعد أن استحصل على شهادة حسن سلوك، بالمفهوم السياسي للكلمة، من جراء فك ارتباطه بالحزب.
وترى المصادر نفسها أن باسيل بانفصاله عن «حزب الله» يراهن على تفعيل دوره في انتخاب رئيس للجمهورية من جهة، وفي تقديم أوراق اعتماده لمن يعنيهم الأمر للخروج من الحصار المفروض عليه عربياً وامتداداته الدولية، وإن كان يتموضع رئاسياً في الموقع الذي يحفظ له تمايزه عن المعارضة، رغم أنه التحق بها سياسياً بمجرد رفضه للتوأمة العسكرية بين الجنوب وغزة، وخطا خطوة نحو تصالحه مع الكنيسة المارونية التي تشكل رأس حربة في معارضتها لتفرُّد الحزب بقراره بإلحاق لبنان بالحرب في غزة من دون العودة إلى الحكومة والتنسيق معها، كونها وحدها صاحبة القرار حرباً أو سلماً، لذلك فإن باسيل، كما يقول مصدر في الثنائي الشيعي لـ«الشرق الأوسط»، يغادر تحالفه مع الحزب في التوقيت الخاطئ، لأن الحزب في حاجة إليه في مواجهته لمعارضيه، من دون أن يبني، أي باسيل، تحالفات بديلة.