كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:
من زمان وزمان نسمع عن لغة الأرقام وأبعادها ودلالاتها وبأن واحداً + واحداً = اثنين. لكن، في الواقع، تغيرت الأمور كثيراً فأصبح واحد وواحد يساويان- إذا شئنا- 11 وإذا شئنا 1,1 في المئة وإذا شئنا نطرح واحداً من واحد فتصبح الحصيلة: صفر مكعب! وليس هناك أفضل من اللبنانيين – الساسّة من يتلاعبون بالأرقام ويغتصبون الحقائق. في الإقتصاد ضحكوا علينا بنسب وأرقام وفي المال والسياسة والسلاح اللاشرعي والحروب المفتوحة والقهر المتمادي… هناك دائماً من يطلّ ليقول: 66,666 في المئة من اللبنانيين (على سبيل المثال) يريدون هذا… ليعود ويطلّ من يقول 66,666 في المئة من اللبنانيين لا يريدون (على سبيل المثال أيضاً) هذا… فمن نُصدّق؟ وماذا نُصدّق؟
أسوأ ما نسمعه كثيراً – وأبشع ما قد نراه – في هذه الأيام: واحد واقف على منبرٍ ويخرج برقمٍ ونسبة مئوية متباهياً: اللبنانيون مع الحرب! فمن أوكل لهذا التكلم باسم اللبنانيين؟ في بلادنا، الأرقام يا عالم يا ناس وجهة نظر. والنظر عند كثيرين، كما تعلمون، ضعيف. فلا تغضبوا حين يسيء أحدهم إستخدام «علم الإحصاء» لغايةٍ في نفس يعقوب واضعاً إياكم في «محصلة» تصوّرها هو وصوّرها حقيقة وهي ليست إلا من بنات خياله.
ما رأي الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين بلغةِ الأرقام والنسب التي ليس فيها إلا فلسفة وتلفيق وكذب؟ يجيب: «ثمة فوضى واضحة في نشر المعلومات والإحصاءات. لا ضوابط ولا نظام». ويستطرد قائلا: «قد يحصل لغط متعدد الأطر في الموضوع. أولاً، قد يخرج أحدهم بنسبة مئوية ما مدعيّاً إتكاله على إحصاء قد لا يكون حدث بالفعل. وقد يخرج ثان برقمٍ ما متكلاً على عيّنة خاطئة وإن كان الإستفتاء قد حصل بالفعل، بمعنى أن يكون قد استند الى فئة عمرية معينة واستثنى طائفة معينة وشمل منطقة دون منطقة. توزيع العينة مهم جداً للخروج برقمٍ حقيقي».
ستاتيستيكس ليبانون خرجت بنسبة مئوية: 73 في المئة من اللبنانيين ضد دخول الحرب. فهل نصدّق؟ يجيب الرئيس التنفيذي لشركة ستاتيستيكس ليبانون ربيع الهبر: «هناك دراسات علمية ودراسات غير علمية. يجب التمييز بين ما يصدر وما لا يصدر. يمكن للبعض كتابة أرقام بقدر ما يريدون لكن على الجمهور التأكد من صحتها. الرقم لا يكون صحيحاً إذا اعتمد مثلاً على استبيان مئتي شخص. هناك من يقول: نفذتُ استطلاعاً ليصدر ما يشاء. الدراسات العلمية الدقيقة تحتاج الى مقومات دقيقة وعلمية». ويستطرد: «نحن وصلنا الى استطلاع أن 73 في المئة من اللبنانيين لا يريدون الحرب، وأن 61 في المئة من اللبنانيين يعارضون مشاركة «حزب الله» في الحرب، وأن 56 في المئة من اللبنانيين يعتقدون بأن الحرب ستؤدي الى زوال إسرائيل… وذلك استناداً الى عينة متناسبة مع الحجم مصحوبة بأسلوب العينة المنتظمة. شمل الإستطلاع شرائح عمرية مختلفة ومستويات إجتماعية وثقافية عدة وفئات عمرية واقتضى العمل الميداني. هذه منهجيتنا».
نعود لنسأل محمد شمس الدين: ماذا عن الأرقام والنسب التي نقرأها اليوم؟ وكيف لنا أن نصدق المعلومات والأرقام التي تخلص إليها؟ وهل للدولية للمعلومات أسلوبها؟ يجيب: «نحن نعمل على الأرض ونتوزع في كل المناطق. وأصبحت لدينا داتا حقيقية مع أرقام هواتف الأشخاص المستطلعين. نتابع الإستطلاع ميدانياً. وتوقفنا عن استخدام الورق وأصبحت المعلومات تؤخذ مباشرة عبر اللوحات الإلكترونية (tablets) ثم تنقل الى الحواسيب الإلكترونية. إنتقلنا الى المرحلة الإلكترونية الكاملة». ويستطرد بالقول: «ما نراه أن كثير من الإستطلاعات يشوبها إما التلاعب أو الخطأ. هناك إستطلاعات مفبركة لغاية ما. هناك من يروجون في الإنتخابات لمرشحين وزعامات. وعند صدور النتيجة نتفاجأ بأن كل ما بنوا عليه غير صحيح».
المطلوب الإنتباه. ليس كل ما يطلق حقيقياً وليس كل ما يعلن عنه صواباً وليست كل جهة صالحة ليُبنى على استفتائِها.
الباحث محمد شمس الدين يطلب من الناس الإنتباه الى التفاصيل قبل الوثوق بأي نتيجة ويقول: «فلنأخذ مثلا أن حزب الله، الذي يملك المركز الإستشاري للدراسات والتوثيق، قد يخرج بنتيجة أن 70 في المئة من اللبنانيين مع الحرب. هنا، لا يمكن التعاطي مع هذه النسبة وكأنها حقيقة دامغة. مصدر النتيجة ومدى ملاءمتها لطرف أصدرها مهم جداً. يفترض التيقظ كي لا يكون الهدف من رقم معين التأثير على تقييم الرأي العام. وهنا، لا بُدّ من ذكر أن حزب الله يمنع الإستطلاع في مناطقه. هذا ما نواجهه. كما تحدث معنا مشاكل إذا حاولنا إستفتاء الأرض في بيئة الحزب حول أمر معين. يضيف شمس الدين: نسمع أحيانا إستطلاعات تقول: التيار الوطني الحر يحوز نسبة 60 في المئة من المسيحيين.
التسرع في تصديق هذه النسبة وكأنها حقيقة دامغة غير مستحب. هناك أرقام لا قيمة لها دحضتها الوقائع. لهذا أقول إن أي رقم يفترض إكتشاف كل ما رافقه وما سبقه وإلام يؤول الهدف منه».
قبل أن ننهي مع شمس الدين نصغي الى «خبرية» هناك من يتذكرها وهناك من نسيها: «في الزمانات أطلّ حافظ الأسد أمام الملأ ليقول: أكثرية اللبنانيين يؤيدون التمديد للرئيس الياس الهراوي. هو استبق النية بالتمديد بقول ما أراد إبرازه وكأنه واقع علمي وليس قراراً سياسياً».
ما رأي الإحصائي الدكتور بشارة حنا؟ يجيب: «للاسف، نحن في بلد كل معلومة فيه حمالة أوجه وغالبية استفتاءات الرأي فيه تخلو من أي درجات الثقة. صحيح أن هناك مؤسسات جيدة جداً لكن، في المقابل، ثمة جهات لا تعمل بضمير ومهنية. إستطلاع الرأي يجب أن يشمل بين 800 و1200 مستطلع. واي طرف يطلق نتيجة إحصاء يجب أن يقول الطريقة العلمية التي اعتمدت في اختيار الفئة وفي تصحيح النتائح. إذا لم يتم ذكر ذلك فمعناه أن خطأ ما موجود. الإنسان العلمي يفهم ما أقول وعليه ان يسأل عن العينة التي وضعت ويفترض أن تكون ممثلة لكل شرائح المجتمع. منهجية البحث يفترض أن تكون واضحة وتُذيل كل رقم يقال أنه إستفتاء وحقيقة». ويستطرد بالقول: «أكبر خطر هي إستطلاعات الرأي التي تصدرها مؤسسات دولية تعتمد على دراسات غير موثوقة من أطراف محلية لا تتمتع بمصداقية علمية. هناك من يبنون دراساتهم على علم نظرية غير تطبيقية لا تصلح لتطبق في كل المجالات».
ما رأيكم بالأيام الآتية على لبنان؟ ماذا تقول الإستفتاءات والأرقام؟
لغة الأرقام ثقافة نفتقر إليها. المثقفون في العالم ينطلقون من الرقم لرسم الأهداف وتحقيق الطموحات، أما هنا، في بلادنا، فينطلقون غالبا من الرقم لتبرير ما يضمرون. من في لبنان مع الحرب ومن هو ضد الحرب؟ في المبدأ، قد لا يتصوّر أحد – في بلاد الناس – أن هناك من سيقول: نحن مع الحرب. أما هنا، فهناك من سيتقصد إطلاق هكذا نتيجة لبعدٍ سياسي. لكن السؤال، ما دام حزب الله يمنع حصول إستطلاعات الرأي في بيئته فكيف يكون إستطلاع الرأي حول الشيعة صحيحاً؟ في كل حال، هناك من يقول إن الشيعة ليسوا مع الحرب. هناك من انتفض من أهل الطائفة معلناً ذلك بعد تصوير كثيرين في الإستطلاعات وفي سواها أن الأمر مختلف.
لكن، من يؤكد أن من أعلنوا أن الشيعة ضدّ الحرب يتكلمون باسم كل الشيعة؟ هؤلاء لم ينطلقوا أيضاً من أي استبيان أو استطلاع علمي وبالتالي النتيجة: موقف سياسي لا علمي. من هنا، فلنميّز بين ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي وليتوقف كل من يقوم برمي نسبة مئوية ما لأن الرقم إن كان وجهة نظر فإن نتيجة الإستطلاع يفترض أن تكون مبنية على منهجية بحثية.