كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
نجحت بلدة بساتين العصي في جرود البترون حيث فشل الآخرون. وأحرزت تقدّماً في ملف ضبط إنفلاش النازحين السوريين الذين أصبحوا أكثر من سكان البلدة بأضعاف مضاعفة. ويستكمل الأهالي «المعركة» لإخلاء الأحياء السكنية من الوجود غير اللبناني وغير المنظّم وغير القانوني، والذي يتعارض وكل القوانين اللبنانية وتعاميم وزارة الداخلية والبلديات ووزارة العمل وقرارات مجلس الوزراء الأخيرة.
ساهم الضغط الذي شهدته بساتين العصي والتجاوب الشعبي والوعي لخطر النزوح السوري في تحقيق قسم كبير من الأهداف، والعمل الذي إنطلق من بساتين العصي يطال مثلّث بساتين العصي- كفرحلدا- بيت شلالا.
عندما انطلقت الحملة في بساتين العصي مطلع كانون الأول الماضي، كانت الظروف صعبة، الدولة شبه غائبة عن معالجة هذه الظاهرة في المنطقة، الإنفلاش السوري في المثلث يبلغ الذروة، المنظمات الدولية التي منع وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي نشاطها تستكمل عملها، ورأت أنّ هذا المثلث هو الأرض الخصبة لمخطط «الدمج» وسط تراخي السلطات المحلية، حتى أضحى المثلّث، كأنه مربّع أمني لهم.
وبعد نحو 80 يوماً على إنطلاق الحملة، باتت عيون الدولة «مفتّحة» على مثلّث بساتين العصي – كفرحلدا – بيت شلالا. وفي بلدة بساتين العصي تحقّق تقدّم يتمثّل بأعداد العائلات السورية غير القانونية التي غادرت البلدة. والجدير ذكره أنّ تركيبة العائلة السورية مختلفة تماماً عن العائلة اللبنانية، فالعائلة السورية قد تكون مؤلفة من أب وأم أو أكثر وأولادهم الذين يتخطّون العشرة أولاد بمعظمهم، وهؤلاء معظمهم متزوجون ولديهم أولاد، ومنهم من يتزوّج أكثر من إمرأة في أغلب الأحيان أيضاً، علماً أنّ هناك عدداً لا يُستهان به من الأولاد غير مسجّلين.
وفي التفاصيل، وحسب آخر الأرقام، فقد غادرت بساتين العصي المقسومة عقارياً بين عورا- بشتودار وبين كفرحلدا الأعداد الآتية:
في بساتين العصي التي تتبع عقارياً لبشتوادر- عورا، غادر ما مجموعه 11 عائلة سورية، قسم منها ذهب إلى البقاع وآخر إلى طرابلس وعكار، وتغلغل آخرون بين النازحين في المنطقة. وتجرى محاولات من بعض المالكين المعروفين الذين يقطنون خارج البلدة لإستقطاب بعض العائلات غير القانونية بأخذ أوراقها الثبوتية ومحاولة الإلتفاف وتشريع وجودها في الأمن العام بما يتعارض وقرار وزير الداخلية بمنع إستقبال أي نازح جديد بعد 2 أيار 2023، ويتعارض أيضاً وإرادة أهالي البلدة التي تمثّلت بالعريضة التي وقّعت وباتت في عهدة كل مراجع الدولة. ويتطلّب هذا الأمر إنتباه الأمن العام وتحرّك ومتابعة قائمقام البترون روجيه طوبيا الذي تتبع له هذه المنطقة بشكل مباشر وتحت سلطته الإدارية.
أما في الجهة الثانية من بساتين العصي فشهدت نهاية الأسبوع تفكيك أكبر مخيّم تقطنه 7 عائلات سورية في أرض كانت لآل طنوس، بعد التعاون مع السيد جوليان طنوس، ويُضاف هذا العدد إلى 5 عائلات سورية أيضاً غادرت البلدة، ويصبح المجموع في هذا القسم 12 عائلة.
وأمام هذا التقدم، يُصرّ الأهالي على متابعة الحملة، خصوصاً مع وجود تجمّعات كبيرة غير شرعية للسوريين في البلدة، وينتظر الأهالي تحرّك السلطات العليا لمعالجة هذه الحالات، خصوصاً بعد وعد محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا بمعالجة كل «الشوائب» وحماية البلدة من الإجتياح الديموغرافي والإقتصادي الحاصل.
ولن تقف المعالجة على الأحياء السكنية، بل ستشمل مثلّث بساتين العصي – كفرحلدا – بيت شلالا، وفي السياق، كلّف نهرا جهاز أمن الدولة إجراء عملية مسح شاملة للوجود السوري في هذا المثلّث لتحديث «داتا» النزوح ليأخذ وفق الأرقام الجديدة القرار المناسب. ووجّهت إنذارات لكل عائلة سورية موجودة في السهل والبلدة، ممّن ليس لديها كفيل من أبناء البلدة، ويعمل أفرادها فيها، بضرورة المغادرة، والأسماء التي سترفض تطبيق القوانين ستصل إلى قائمقام البترون روجيه طوبيّا بدءاً من اليوم لإعطاء أوامره للتحرك والتصرف وتطبيق القانون.
وأمام خطر توجّه النازحين المغادرين لبلدة البساتين إلى قرى الجوار، إتخذ رئيس بلدية تنورين سامي يوسف تدابير صارمة منطلقاً من تعاميم وزير الداخلية المانعة لإستقبال أي نازح جديد في البلدات بعد 2 أيار 2023، وبالتالي نجحت تنورين في عدم إستقطاب موجة نزوح جديدة ترهق البلدة مثلما أرهقت المثلّث.
وبعد مسألة الأحياء السكنية، سيتمّ التركيز على سهل مثلّث بساتين العصي – كفرحلدا – بيت شلالا الذي يعاني من إنفلاش سوري كبير، والأخطر من هذا أنّ النازح السوري ومن يدعمه إنتقل من عامل في السهل، وهذه مخالفة أيضاً، إلى شبه مالك أو متحكّم بالأرض بعد موجة «تضمين» الأراضي التي تخرق كل القوانين ودفعه مبالغ خيالية للاستحصال على الأرض لتحويلها بؤرة سكنية، وفاقت الأراضي «المضمّنة» إلى سوريين 45 قطعة أرض، إضافة إلى إقتنائه شاحنات وفانات نقل وجرّارات. بينما القانون واضح وهو عدم السماح للنازح بالعمل، وعلى هذا الأساس تقدّم له مساعدات من الـUNHCR.
وفي هذا الإطار، تمّ التواصل مع وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال حسين الحاج حسن الذي اطّلع على كل الوضع «الشاذ» في السهل وتأثيره على المزارع اللبناني الذي يفقد عمله ويُضيّق عليه من قبل السوري، ووعد بإثارة هذا الموضوع، إضافة إلى المواضيع ذات الصلة في مجلس الوزراء.
إذاً، تتوجّه الأنظار إلى كيفية متابعة الوزارات وأجهزة الدولة أكبر بقعة نزوح في بلاد البترون، والتي خرقت كل القوانين والتعاميم، وحسب إعتراف الجهات الأمنية، صارت تشكّل خطراً داهماً يجب معالجته قبل الانفجار الكبير أو تكرار سيناريو ما يحصل في البقاع، وإذا كان أفراد الجيش وأمن الدولة وقوى الأمن الداخلي يتحركون، فقد أتى دور الأمن العام بعد تسلّمه «داتا» النزوح، فتشريع حالة الفوضى بمنح إقامات وكفالات عشوائية مقابل إستفادة بعض المالكين سيؤدّي إلى صدام حتمي، بينما المطلوب التحقّق من الكفيل وما إذا كان السوري الذي يكفله يعمل في البلدة، أو لدى كفيله مصلحة أو أرض تسمح له بالسكن في البلدة أو في المثلث ككل.