كتبت لوسي بارسخيان في “نداء الوطن”:
تغيّب وزير الاتّصالات جوني القرم عن اجتماع لجنة الإعلام والاتصالات، كما تغيّب المعنيّون بملف المخاطر التي تواجه الأمن السيبراني والذي كان يفترض باللجنة متابعته. واقتصر الحضور على رئيس اللجنة وأعضائها، الذين اغتنموا الفرصة لجوجلة الملفات التي تراكمت على وزارة الاتّصالات.
وكثر الكلام عن عدم الرضى تجاه المقاربات التي لجأت إليها الوزارة في ملفّاتها، وسيرها بنهج متّبع في تفريغ القطاع من أصوله، ووضع أعضاء اللجنة ملاحظاتهم في باقة واحدة، أودعت لدى رئيس اللجنة إبراهيم الموسوي، وشملت أيضاً أسئلة موجّهة عبر مجلس النواب إلى وزير الاتّصالات جوني القرم، ولم يتلقّ النواب الذين اتّبعوا الأصول القانونية بتوجيهها أي إجابة عنها، بدءاً بملف ستارلينك ومحاولة تلزيم خدمة الـOTT التي توجّه بأسئلة حولها النائب ياسين ياسين ووقّع عليها نواب آخرون، إلى ملف تلزيم خدمة المحفظة الإلكترونية عبر شركتي «تاتش» و»ألفا» لشركات خاصة، والذي وجّهت سؤالاً حوله النائبة بولا يعقوبيان ووقّع عليه أيضاً نواب آخرون… إلى ملف البريد، والإنترنت غير الشرعي، وغيرهما من الملفات المرتبطة بشركتي الخلوي «تاتش» و»ألفا»، والتي يتسبّب سوء إدارتها وفقاً لأعضاء اللجنة في تفريغ خزينة الدولة من موارد أساسية يوفّرها قطاع الاتّصالات تحديداً، لتصبّ في جيوب «مستنفعين».
وحتى لا يبقى الكلام في «ظهر الوزير»، كُشف بعد الاجتماع عن امتعاض النواب من هذا الأداء، إلى حدّ البدء ببلورة أفكار، تحدّث عنها النائب ياسين ياسين لـ»نداء الوطن»، حول إمكانية التوجّه ببعض الملفات نحو لجنة لتقصي الحقائق تنبثق عن لجنة الإعلام والاتصالات، أو حتى لطلب تشكيل لجنة تحقيق برلمانية في ملفات أساسية، بعضها أحيل إلى القضاء بقرارات صادرة عن ديوان المحاسبة، وأخرى يخوض النواب معارك التصدّي لمنع تمريرها.
إنطلق الاجتماع من موضوعه الذي حُدّد بمتابعة البحث في الخروقات السيبرانية التي تعرّضت لها مرافق أساسية. فلفتت مداخلة النائب بولا يعقوبيان في هذا الإطار، والتي رأت أنّ التحقيق في المضمون الأمني لهذا الملف يوازيه أهمية الكشف عن المسار القانوني والإداري لعقد شركة ACUATIVE وما اشتمل عليه من مهام كلفت بها عبر شركة أوجيرو لتقييم شبكتها، وأثارت الشبهات حول إمكانية تسبّبها في تسرّب داتا أساسية متعلقة بها إلى الخارج.
التدقيق في هذا الملف بعد حصول اللجنة على نسخة عن العقد ومتمّماته لا يزال بأيدي خبراء، غير أنّ ما برز في اجتماع أمس أيضاً هو مطالبة يعقوبيان بإبراز عقد شركة DATA CONSULT، وهي الشركة التي كلّفت معالجة الثغرات التي اكتشفتها ACUATIVE. وذلك على أثر ما كشفته الإستقصاءات من علاقة ربطت الشركتين، قبل أن تحصل ACUATIVE على عقدها مع وزارة الإتصالات وهو ما خلّف شكوكاً حول كون العقد الأول مجرّد غطاء لصفقة أكبر تمت مع DATA CONSULT، علماً أنّ تلزيم DATA CONSULT أثار سابقاً استغراب رئيس اللجنة إبراهيم الموسوي، لجهة عدم تكليف مصحح الثغرات بعملية تقييمها منذ البداية.
فطلبت يعقوبيان التوسّع في التحقيق لجهة الإطلاع على عقد DATA CONSULT وما إذا كان وضع بحسب الأصول، وكلفته؟ ومدى خضوعه للرقابة، وتفاصيل أخرى من شأنها تفكيك قطبة العلاقة المخفيّة بين الشركتين، والتي ترجمت أولاً على ما يبدو بتعاون في بنك عودة بعملية تقييم لبياناتها، ليترقّيا بعملهما لاحقاً إلى مستوى شبكة أوجيرو، مع أنه ليس في تعريف ACUATIVE ما يشير إلى كونها عملت على مستوى شبكات اتصالات دولة، وفقاً لما تؤكده مصادر خبيرة في القطاع، ولا هي أدرجت ذلك من ضمن خبرتها بعد إنهاء مهمتها في أوجيرو. غير أنّ ملف ACUATIVE لم يحجب اهتمام اجتماع لجنة الاتصالات عن ملفات أخرى توازيها أهمية. وكان أبرزها ما كشف عن لجوء LIBANPOST التي يفترض أنها تسيّر عمل البريد مرحلياً إلى حين تلزيم القطاع في مزايدة رابعة، لرفع رسوم جانبية «لا تعريف لها»، كتلك المسمّاة «تكاليف معالجة» التي ارتفعت بنسبة فاقت العشرة أضعاف، وكشف عنها الخبير والمستشار في شؤون الإدارة المالية العامة والرقابة والفساد غسان بيضون بتغريدة على حسابه الخاص في موقع X. هذا مع العلم أنّ هذه الرسوم تزيد من أكلاف المواطنين، ولكنها لا تدخل في سلّة الواردات التي يفترض تقاسمها مع خزينة الدولة، ما يدلّ على أن «ليبان بوست» لا تزال «فاتحة على حسابها» في تحقيق المكاسب من عقدها الذي سيكمل قريباً عقده الثالث، فيما الوزارة غائبة عن الإمساك الفوري بهذا الملف، على رغم التوصية الواضحة التي كرّرها ديوان المحاسبة بضرورة تحسين موقع الدولة من هذا العقد، إلى حين إكمال عملية التلزيم.
في اتصال مع «نداء الوطن» إنتقد ياسين لجوء الوزير القرم إلى «التسويف والمماطلة في ملف تلزيم البريد، وتكراره بأن إطلاق الجولة الرابعة منه قد تستغرق سنتين، مع أنه أجرى سابقا ثلاثة تلزيمات في أقل من ستة أشهر»، مسجّلاً على القرم أيضاً تعامله بـ»آذان صمّاء» مع سلطة الرقابة التي يمثلها النواب في ما يتعلق بكل الملفات المذكورة.
موضوع آخر بارز حضر أيضاً على طاولة اللجنة وهو موضوع المحفظة الإلكترونية، والذي يبدو وفقاً للنائبة بولا يعقوبيان أنّ الوزير القرم مصرّ على تلزيمه للقطاع الخاص. وبالتالي أعربت عن التوجس ممّا قد يسعى إليه من «امتيازات» خاصة تصبّ في مصلحة شركة «سيول».
وشدّدت يعقوبيان على مضمون سؤالها الذي توجّهت به إلى الوزير القرم في هذا الملف، معتبرة أنّ جميع ذرائعه لعدم إطلاق الخدمة عبر شركتي الخلوي ساقطة، وخصوصاً بعدما تأكد أن مصرف لبنان لا يمانع منح الشركتين الترخيص بذلك، فيما ادّعاء عدم الجهوزية الإدارية والفنية ساقط أمام حشو الشركتين بعدد فائض من الموظفين. لا يحتاج الأمر وفقاً ليعقوبيان سوى لتدريب ثلاثة وأربعة منهم لتأدية هذه الخدمة، وبالتالي الاحتفاظ بكل امتيازاتها لمصلحة الخزينة، والأهم الحفاظ على البيانات الخاصة بمشتركي الشركتين.
غير أنّ المشكلة في كل هذه الملفات المطروحة وسواها وفقاً للنائبة بولا يعقوبيان «أننا نتعاطى مع حكومة مستقيلة، وهذا ما يفرغ أسئلة النواب من نتائجها المطلوبة من ناحية المحاسبة، ليبقى مفعولها في قوة الردع التي يمكن أن تحقّقها من خلال ما تفضحه حول الأداء السائد».
ومساء، أشارت وزارة الاتصالات في بيان، إلى أنّه «نفياً للأخبار المتداولة حول تعديل بدل خدمات البريد، تؤكّد وزارة الاتصالات أنّها لم تتخذ اي قرار بتعديل أسعار الخدمات البريدية، وأنّ أي تعديل في هذا الاطار يخضع لموافقة مجلس شورى الدولة ومجلس الوزراء».