كتب نذير رضا في “الشرق الأوسط”:
شلّت إضرابات موظفي القطاع العام الإدارات الرسمية التي أقفلت أبوابها، احتجاجاً على عدم قيام الحكومة بصرف «زيادة مقبولة على الأجور»، و«التمييز بين موظفي القطاع العام»، في ظل معاناة الموظفين الذين تراجعت قيمة رواتبهم كثيراً، وتصرف لهم الحكومة مساعدات من غير زيادة على أصل الراتب.
وأقفلت 7 إدارات رسمية أبوابها، الخميس، غداة إعلان موظفي 7 وزارات الإضراب عن العمل، بينهم موظفو وزارات الإعلام والطاقة والعمل، وقالوا إن ذلك يأتي بسبب «التمييز بين موظفي الإدارات العامة»، وطالبوا الحكومة بوضع الحلول المناسبة للقطاع العام.
وتحاول الحكومة، منذ بدء الأزمة في عام 2019، صرف مساعدات للموظفين لا تدخل ضمن أساس الراتب، وكان آخرها صرف قيمة 7 رواتب إضافية على رواتب الموظفين، وذلك بغرض تمكينهم في ظل الأزمة المعيشية المتنامية، وتدهور قيمة رواتبهم إلى مستويات كبيرة، على ضوء تدهور قيمة العملة من 1500 ليرة للدولار الواحد، إلى نحو 90 ألف ليرة للدولار الواحد. وتسعى الحكومة إلى إيجاد بدائل عبر مقترحات بعضها متصل ببدل الإنتاجية، وزيادات على بدل النقل. ويقول الموظفون إن هناك تمييزاً بين موظفي الإدارات، حيث يجري الإغداق على موظفي قطاعات تعدها منتجة، متصلة بدوائر محددة مثل «الجمارك» أو المؤسسات العامة المنتجة، بينما تحجم عن تأمين زيادات لنحو 15 ألف موظف في الإدارات العامة، بالنظر إلى أن رواتبهم لا تكفيهم للعيش بكرامة وتأمين الأساسيات.
تحرك نيابي
أعلن نواب كتلة «التغيير» التي تضم نواباً مستقلين من الحراك المدني تقديم اقتراح قانون لإنصاف الموظفين. وقال فراس حمدان: «انطلاقاً من أن حقوق العاملين في القطاع العام مكتسبة وليست منّة، ولأنّ تعويضات نهاية الخدمة والراتب التقاعدي تحفظ الحقوق وتصون الكرامات، ولأن دعم حقوق المتقاعدين والمستخدمين والموظفين من بين أولوياتنا، تقدّمت والنواب الزملاء نجاة عون صليبا وإبراهيم منيمنة وملحم خلف وبولا يعقوبيان وياسين ياسين باقتراح قانون يرمي إلى احتساب تعويض نهاية الخدمة للعاملين في القطاع العام على أساس الراتب الأخير مضروباً بأربعين ضعفاً، وللمتقاعدين مضروباً بـ15 ضعفاً، على أن يبدأ تطبيقه بدءاً من 1/1/2020 إلى حين إقرار سلسلة رتب ورواتب جديدة ما زالت تتهرب منها حكومة تصريف الأعمال حتى الآن».
الحكومة مقيّدة
رغم المطالبات والضغط عبر الإضرابات، تبدو الحكومة اللبنانية مقيدة. وقالت مصادر مطلعة على الشؤون المالية في الحكومة لـ«الشرق الأوسط» إن مصرف لبنان المركزي «حدد سقف الإنفاق للحكومة بـ5800 مليار ليرة شهرياً، مما يمنع الحكومة من صرف زيادات في الوقت الراهن، مما يضاعف التحديات»، لافتة إلى أن «المركزي» اشترط أن تكون أي زيادة «محسوبة على قاعدة الاستقرار النقدي»، وبالتالي «لا تفرض أعباء على الاستقرار النقدي، وتهدد سعر صرف الدولار». وقالت إن المركزي «كان وعد في وقت سابق برفع سقف الإنفاق بحده الأقصى من 5800 مليار ليرة إلى 8500 مليار؛ كي تتمكن الحكومة من إقرار زيادات جديدة على بدلات الإنتاجية وبدلات النقل وغير ذلك».
ولا يخطو «المركزي» خطوات كبيرة في ملف الإنفاق، منعاً لتأثير ذلك على الاستقرار النقدي في البلاد. وقالت مصادر مصرفية لـ«الشرق الأوسط» إن «مصرف لبنان» الذي يبلغ حجم كتلته النقدية بالليرة الموجودة في الأسواق 56 تريليون ليرة تقريباً، «واقع الآن بين حدّين»، أولهما «عجزه عن دفع الزيادات بالدولار، بالنظر إلى أن مصادر العملة الأجنبية لا تزال شحيحة»، أما التحدّي الثاني فيتمثل في تداعيات زيادة الكتلة النقدية بالليرة في السوق، بالنظر إلى أن هذا الأمر «سيؤثر على سعر صرف الدولار المستقر منذ نحو 8 أشهر»، موضحة أن ضخ كتلة نقدية بالليرة في السوق «سيزيد الطلب على الدولار في السوق السوداء، وهو أمر يهدد بتدهور إضافي بسعر صرف الليرة مقابل الدولار».
ويبدو أن الموظفين عالقون بين تلك الحسابات. وعلى أثر الاعتراض على «التمييز» بين الموظفين، أجرى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي اتصالاً بوزير المال يوسف خليل، وطلب منه وقف دفع الحوافز الإضافية التي تم تخصيصها لبعض موظفي الإدارة العامة دون سواهم، على أن يستكمل البحث في هذا الملف برمته في جلسة الحكومة الجمعة. وإثر هذا الإجراء، أعلن موظفو وزارة المالية في كل الدوائر والمصالح «الإضراب العام؛ احتجاجاً على توقيف الحوافز المقررة لهم».
إقفال إدارات في 8 وزارات
وأقفل موظفون في 8 وزارات الأبواب التزاماً بالإضراب. ولليوم الثاني على التوالي، لا تبث الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية، أي خبر، كذلك لم تبث الإذاعة اللبنانية الأنباء، فيما اعتذر موظفو وزارة الشباب والرياضة من جميع المواطنين، وطالبوهم بـ«عدم التوجّه إلى الوزارة لأنها مقفلة، إلى حين إنصافهم بالعطاءات التي استفادت منها إدارات أخرى، لا تقل حيوية وعملاً وتضحية عن سواها».
كذلك دعا موظفو وزارة الطاقة والمياه بجميع الفئات والتسميات إلى «التوقف النهائي عن العمل بسبب الغبن الحاصل في التمييز بين موظفي الإدارات العامة الذين يعدون وحدة لا تتجزأ». ومثلهم، قرر موظفو وزارة العمل في الإدارة المركزية للوزارة، وبعد التشاور، التوقف كلياً عن العمل رفضاً لتمييع مطالبهم. وانسحب الأمر على موظفي وزارات السياحة والثقافة والزراعة والاقتصاد.
ودعم الاتحاد العمالي العام الإضرابات المعلنة من لجان الموظفين العاملين في الوزارات كافة. وأكد الاتحاد في بيان «وقوفه مع موظفي الإدارة العامة في مطالبهم المحقة في تحقيق زيادة مقبولة على الأجور تدخل في صلب الراتب، فتقيهم المعاناة اليومية الحياتية، وتكلفة الحضور إلى العمل لتأمين متطلبات وحاجات المواطنين». وطالب الاتحاد «بالمساواة والمعاملة العادلة بين كل الموظفين وعدم التفريق بينهم وصولاً إلى إدارة سليمة وحوكمة رشيدة».
وبالتزامن مع تنفيذ العسكريين المتقاعدين تحركات في الشارع؛ احتجاجاً على عدم تحقيق مطالبهم، أثنى اتحاد العمال العام على تحرك المتقاعدين العسكريين والمدنيين، ودورهم المحوري في الوصول إلى زيادات عادلة تشمل جميع مكونات القطاع العام. وأكد ضرورة شمول الزيادات المقترحة والمطبقة المصالح المستقلة، والمؤسسات العامة، والبلديات واتحاد البلديات، والمستشفيات الحكومية تحت طائلة التحرك والاعتصام والإضراب، أسوةً بموظفي الوزارات والإدارات العامة.