كتبت راكيل عتيّق في “نداء الوطن”:
أبلغ مسؤول كبير في دولة عُظمى إلى زوّاره أخيراً أنّ المعطيات التي يملكها حيال الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً في قطاع غزة وجنوب لبنان «لا تُطمئن»، إذ عملياً بات هناك صعوبة كبيرة أو استحالة لإقامة دولة فلسطينية، بعدما بات هناك في الضفة الغربية نحو 800 ألف مستوطن. وبالتالي لم يعد هناك من إمكانية «على الأرض» لإقامة دولة فلسطينية. هذا إضافةً إلى أنّ واشنطن لا تستطيع أو «لا تريد» كبح الجماح الإسرائيلي في قطاع غزة، حيث تنفّذ إسرائيل مخطّطاً في رفح أقصى جنوب القطاع الآن، كانت على علم به الدول الكُبرى، غداة 7 أكتوبر 2023، ولم تستطِع منعه حتى الآن.
هذا المسؤول الكبير نفسه كان تحدّث أمام ديبلوماسيين منذ أشهر، في أولى مراحل الهجوم الإسرائيلي على غزة إثر عملية «طوفان الأقصى»، ملمحاً إلى أنّ إسرائيل لن تتراجع عن مخطّط تهجير فلسطينيي غزة إلى سيناء في مصر أو إلى أي منطقة أو دولة أخرى، لافتاً إلى أن الأزمة الاقتصادية التي تمرّ فيها مصر قد تدفعها إلى تسويات ما أو «تسهيلات» «من تحت الطاولة»، أو أنّ إسرائيل بالضغط العسكري والحصار والتجويع ستدفع الفلسطينيين إلى اقتحام معبر رفح في اتجاه مصر حتى لو عارضت القاهرة ذلك.
هذه الوقائع غير منفصلة عن الوضع في لبنان وتحديداً في الجنوب، إذ إنّ «حزب الله» يربط توقُّف الحرب مع إسرائيل بتوقُّف الحرب في غزة. ولفت المسؤول نفسه إلى خطورة الأوضاع ودقتها في جنوب لبنان. وإذ تقاطعت المعلومات التي وصلت إليه مع ما نقله سياسيون لبنانيون، لجهة أنّ المعطيات من رئيس مجلس النواب نبيه بري وأجواء «حزب الله»، تفيد أنّ «الحزب» لا يريد توسيع الحرب، إلّا أنّ هذا قد لا يكفي تجاه ما تخطّط له إسرائيل.
وتحدّث هذا المسؤول عن سيناريو مرجّح لما قد تنفّذه إسرائيل في لبنان، شارحاً أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يواجه وضعاً سياسياً حرجاً داخل إسرائيل ما قد يدفعه إلى التصعيد وشنّ عمليات في لبنان. وإذ بحسب المعطيات والوقائع من المُستبعد حتى الآن، أن تصل استهدافات إسرائيل للبنان و»حزب الله» إلى اجتياح أو حرب شاملة، من المرجّح أن تتجّه إسرائيل إلى توسيع نطاق الضربات في لبنان ورقعتها ونوعيتها من دون حدود، وهذا ما بدأ عبر الاستهدافين الأخيرين في مدينة النبطية ثمّ كفررمان.
لذلك لا تزال الجهود الديبلوماسية المتعدّدة الأطراف الخارجية مُركّزة على منع أي حرب إسرائيلية واسعة على لبنان، خصوصاً أنّ واشنطن وطهران ضدّ هذا السيناريو. وسيبقى احتمال الحرب الواسعة قائماً طالما لم تُنفّذ «الرغبات» الإسرائيلية وأبرزها تراجع «حزب الله» بضعة كيلومترات جنوباً أو إلى شمال الليطاني، بحسب مصادر ديبلوماسية. وتخشى هذه المصادر من مشهديات سيئة إذا لم يتوقف «الجموح» الإسرائيلي مع انتهاء الحرب في غزة، وإذا أصرّت إسرائيل على تحجيم «الحزب» على الحدود الجنوبية حتى لو توقفت الآلة الحربية في القطاع.
لكن على رغم هذه التحذيرات، يبدو أنّ «حزب الله» لم يعدّل خيطاً من مقاربته للحرب في غزة التي استدعت «حرب المشاغلة» جنوباً. وتقول مصادر مطّلعة على موقف «الحزب» إنّه «لا تراجع أو أي حديث قبل انتهاء الحرب في غزة»، مشيرةً إلى أنّ «التراجع جنوباً غير وارد إطلاقاً، أقلّه في الوقت الحاضر». أمّا الحلّ لوقف الحرب جنوباً والحؤول دون توسُّعها، فلا يزال نفسه بالنسبة إلى «الحزب» الذي «لا يهتمّ» بتقديم أي ضمانات للإسرائيليين. وتقول المصادر نفسها: «إذا توقفت الحرب في غزة تتوقف في لبنان».
وبالتالي طالما أنّ «الحزب» مصرّ على «اللاتراجع» جنوباً قد يستمرّ سيناريو «توسيع نطاق الضربات الإسرائيلية» لشهور، وقد يتحوّل إلى مشهدية أسوأ إذا «سقط» الحزب في الفخ الإسرائيلي و»أهدى» نتنياهو الردّ الذي ينتظره لتوسيع الحرب من دون أي حدود. إذ حتى لو أنّ واشنطن ترفض هذه الحرب وتضغط على نتنياهو لعدم شنّها، إلّا أنّ الولايات المتحدة، بحسب المصادر نفسها، لن تتمكّن من منع إسرائيل من «الدفاع عن نفسها» أو «إزالة» أي خطر يهدّد المستوطنين من جهة الشمال، تماماً كما حصل في غزة. فهل يتمكّن «الحزب» من «امتصاص» الضربات الإسرائيلية والردّ ضمن حدود لا تثير «الجنون الإسرائيلي» إلى حدّ إعلان الحرب الشاملة على لبنان مثلما حصل في تموز 2006، على رغم الأثمان الباهظة التي يتكبّدها بالحجر والبشر وموقفه تجاه بيئته؟
وهل سيتمكّن من أن يوائم بين الاستمرار في «إشغال» إسرائيل نصرةً لغزة وعدم توسيع الحرب المرفوضة لبنانياً ولا «تغطّيها» إيران، إلى حين حلول توقيت الحلّ الديبلوماسي؟