كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:
صادمة الإجراءات التي آل إليها التحقيق في أكبر الملفات التي حركتها النيابة العامة في الدوائر العقاريّة في جبل لبنان، والتي دفعت مرجعاً قضائياً معنياً بالتعقبات التي أدت إلى إقفال الدوائر منذ 19 كانون الأول 2022، للقول «إن ما يحصل يشكل فضيحة لا بل مسخرة من شأنها أن تترك تداعيات كبيرة على ما تبقى من ملفات أمام المحاكم».
ويأتي هذا التوصيف بعد إصدار محكمة جزاء بعقلين بتاريخ 12/2/2024، حكماً وجاهياً أعلنت بموجبه براءة هيثم طربيه (أمين سجل دائرة الشوف العقاريّة) من الجنح التي لحظها قانون مكافحة الفساد، وأدت إلى توقيفه وجاهياً في 6/9/2023 لعدم كفاية الدليل لإدانته. ويندرج الحكم الصادر لصالح طربيه بعد أن سبق للقضاء وأخلى سبيل موظفي العقارية وأمناء السجل الذين أمضوا وراء القضبان ما بين 3 إلى 5 أشهر، قبل أن تعمد بعدها وزارة المالية إلى إعادتهم إلى مراكزهم وكأنّ شيئاً لم يحصل.
وتكشف جهات قانونية متابعة أنّ الحكم الصادر عن محكمة جزاء بعقلين يرتبط بملف واحد من بين 3 ملفات مرفوعة على طربيه، وهو الملف الذي إدعت به النائبة العامة الإستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون بعد أن أقدم طربيه على تسهيل تسجيل عدد كبير من العقارات التي تعود لآل جنبلاط، وتلفت إلى أنّ الملف الأساسي الذي إدعى به القاضي سامر ليشع بجرم الإثراء غير المشروع وقبض الأموال لا يزال قائماً. وسط إشارتها إلى أنّ التأخير في بته قضائياً يعود إلى الإضرابات التي شهدتها العدلية من جهة، والعدد الكبير من الموظفين الذين يشملهم التحقيق.
أما لجهة التحقيقات في الملفات المتبقية في العقارية، فتشير إلى أنها لا تزال عالقة بين الهيئة الإتهامية على غرار دائرتي بعبدا وعاليه، وقضاة التحقيق أسوة بدوائر المتن، جونية وجبيل. وذلك مع تقدّم الحديث بين المتابعين على أنّ الدواعي الأساسيّة لتحريك الملف هي سياسيّة، ما يوجب على المعنيين وضع حدٍّ لها بعيداً عن الإمعان أكثر في ضرب ما تبقى من مصداقيّة السلطة القضائية، خصوصاً وأنّ مجلس الوزراء طلب من جميع الموظفين الملاحقين العودة إلى عملهم، بالتوازي مع شروع الموظفين المتوارين عن الأنظار وعددهم 15 بينهم 5 من دائرة كسروان، بالتقدم الى طلب إسترداد مذكرات التوقيف الغيابية الصادرة بحقهم، والإستحصال من المديرية العامة للدوائر العقارية على إجازة طويلة – 3 أشهر – تخولهم تسوية أوضاعهم القانونية وتجنبهم مقتضيات المادة 65 من قانون الموظفين والتي تؤدي إلى اعتبارهم بحكم المستقيلين بعد انقطاعهم 15 يوماً عن الإلتحاق بمراكز عملهم.
ولا تقتصر تداعيات ملف العقاريّة على الموظفين، بل ألحقت ضرراً كبيراً ومباشراً بالمواطنين كما بالعديد من القطاعات والمهن الحرة. ويشدد أحد المعنيين على وجود دواعٍ سياسيّة دفعت النيابة العامة إلى الإستناد إلى جرم الإثراء غير المشروع، ما يخولها ملاحقة الموظفين أو تعقبهم من دون الحاجة إلى إذن ملاحقة من الإدارة المعنية؛ قبل أن يلفت إلى أنّ الإدعاء على جميع الموظفين اقتصر على إفادات سماسرة، يُخشى أن تكون مفبركة، ما وضع المسار القضائي المرتبط بالدوائر العقاريّة أمام حائط مسدود، ودفع الموظفين إلى «التمرّد» وظيفياً إلى حين إنصافهم قضائياً، مع تبيان أنّ بعض الذين تم توقيفهم بجرم الإثراء غير المشروع لا أملاك تُذكر لهم.
وبعد اتضاح حيثيات الملف، تلفت أوساط متابعة إلى أنّ الدوائر العقارية في جبل لبنان أنجزت ما يقارب 80 في المئة من المعاملات المكدسة، وكانت بصدد البدء بتوزيع الإيصالات خلال الأسبوع الأول من شهر آذار المقبل، كخطوة أولى تتيح لها الإستعداد لـ»إنفجار» قد تشهده خلال النصف الثاني من شهر آذار، مع الإستعداد للبدء باستقبال المعاملات الجديدة بعد أكثر من سنة على إقفال أبوابها.
وفي سياق متصل، وبعد التركيز على معالجة الفوضى المنتظرة مع إقتراب الدوائر العقاريّة من إستئناف عملها وإستقبال المعاملات الجديدة، دخل موظفو القطاع العام في إضراب جديد عن العمل إلى حين تصحيح رواتبهم، قبل ان يكشف أحد موظفي العقارية في جبل لبنان أنّ المساعدات التي صرفتها وزارة المالية شملت كافة موظفي أمناء السجل العقاري باستثناء موظفي جبل لبنان، ما أعاد الحديث من جديد عن الإمعان في استهداف الدوائر العقارية في جبل لبنان، وتراوح رواتبهم راهناً ما بين 30 إلى 250 دولاراً أميركياً في حال حضروا أقله 14 يوماً في الشهر إلى مراكز عملهم؛ وهذا ما دفع أحد الموظفين في الختام إلى القول: «يريدون محاربة الفساد ومنع الرشى والموظف الذي ينجز معاملات بآلاف لا بل ملايين الدولارات لا يكفيه راتبه للوصول إلى عمله».