كتب د. نبيل خليفة في “نداء الوطن”:
تستعد الحكومة اللبنانية للرد على مقترحات المبادرة الفرنسية التي حملها إلى لبنان وزير خارجية فرنسا ستيفان سيجورني في أوائل شباط الجاري وفيها تصوّر لاتخاذ اجراءات تساعد على تبريد الوضع الأمني على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية، وتسهم في خفض امكانية تمدّد الصراع بما يحوّله إلى حرب بين اسرائيل و»حزب الله».
ولهذا الغرض، عقد اجتماع بين رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب لصياغة رد الحكومة اللبنانية. وصرح وزير الخارجية بأننا «بحثنا في الرد على المقترح الفرنسي ونهيّئ الرسالة التي اتفقنا عليها والنقاط التي ستتناولها وسيكون الرد على الفرنسيين الأسبوع المقبل». وأشار إلى أنّ «موقفنا معروف نريد تطبيقاً كاملاً وشاملاً للقرار 1701 ومن ضمنه شبعا وكفرشوبا»، مؤكداً اننا «نرحب بالدور الفرنسي والفرنسيون يهمهم لبنان وسلامته».
نتجاوز في هذه المقاربة، موضوع الدور الفرنسي في لبنان وعلاقته بالدور الأميركي وأيهما الدور الفاعل والحاسم، لنؤكد على مسألة جوهرية في موضوع الحرب على حدود لبنان الجنوبية، وقد أشار اليها وزير الخارجية الا وهي مسألة مزارع شبعا وهي مسألة جيو- سياسية وجغرافية وتاريخية مثيرة للجدل، والسؤال المطروح منذ أكثر من نصف قرن، ولا يزال يطرح في ظل كل أزمة سياسية اقليمية بين اسرائيل وجيرانها هي: هل أنّ مزارع شبعا هي لبنانية؟ وبالتالي ما هي هويتها الحقيقية وانتماؤها الحقيقي؟
وما هي أسباب ومبررات هذا الجدل القائم المستمر منذ زمن حول مزارع شبعا ومحيطها؟ هل هي داخل الحدود اللبنانية وبالتالي السيادة اللبنانية؟ أم انّها موجودة داخل الحدود السورية وبالتالي السيادة السورية؟ وما هو انعكاس ذلك على موقف اسرائيل والموقف من اسرائيل التي تحتل هذه المزارع وتبقى فيها باعتبارها أرضاً سوريّة؟
في الاجابة على هذه التساؤلات لا بدّ من طرح موضوع شبعا بخلفية علميّة تاريخيّة وليس بأسلوب الطروحات الخيالية أو الايديولوجيّة. وهنا تكمن العقدة في صياغة الموقف الفرنسي من النزاع الاسرائيلي – اللبناني وكذلك من الرد اللبناني على هذا الموقف. ذلك أنّ مزارع شبعا أصبحت نقطة احراج جوهريّة في رسم حدود وآفاق السياسة اللبنانية في ازاء الصراع مع اسرائيل والخلاف مع سوريا. فلبنان دولة حاجز بين سوريا واسرائيل وكلتاهما تسعيان كدولتين اقليميتين توسعيتين إلى التمدّد داخل لبنان على حساب كيانه وسيادته. ويتعقّد موضوع هذا التمدّد لدى ارتباطه بمندرجات قوانين الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وانعكاسها على مثل هذا الانتماء الدولاتي لمنطقة المزارع.
ذلك أنّ تثبيت لبنانية مزارع شبعا، يؤدي إلى 3 نتائج مهمة: الأولى، أنّ اسرائيل لم تنسحب من كافة الأراضي اللبنانية. الثانية، أنّ بقاء قسم من الأرض اللبنانية تحت الاحتلال الاسرائيلي يشرعن استمرار المقاومة الاسلامية في لبنان والتي يقودها «حزب الله». الثالثة، هذا يطرح اشكالية ما إذا كانت مزارع شبعا مشمولة بالقرار 242 أم بالقرار 425.
معطيات أساسية حول وضعيّة المزارع ومحيطها
1 – تقع بلدة شبعا في السفوح الجنوبية الغربية لجبل الشيخ وهي احدى البلدات الكبرى في منطقة حاصبيا، وهي من أعلى البلدات في لبنان اذ تقع على علو 1400 متر فوق سهل الحولة واصبع الجليل. وتندرج أراضيها على مستويات مختلفة بين 450 متراً ليصل إلى 2669 متراً في جبل الزلقا كفرع من جبل الشيخ. وقد أقام الاسرائيليون مرصداً هناك هو من «أكبر المراصد العسكرية» في الشرق الأوسط ومنه ترى العاصمة السورية بالعين المجردة. كما يمكن من خلاله رصد كافة التحركات والاتصالات بين السويس غرباً والخليج شرقاً والاسكندرون شمالاً. وهذه الطاقة تعكس أهميّة جبال لبنان الاستراتيجية في قلب بل في النقطة المركزية من الشرق الأوسط.
2 – نظراً لعلوها عن سطح البحر، تتساقط الثلوج على بلدة شبعا وتتحوّل بفعل طبيعتها إلى منطقة زراعية حيث تتفجّر المياه الغزيرة ويتم زرع الأشجار المثمرة، وتتفجّر الينابيع: نبع المغارة ونبع الجوز، وخزانات المياه الجوفية. كذلك يعتمد سكانها بشكل عام على الزراعة ورعاية المواشي وهذا يفرض أن يسعى سكان شبعا إلى تأمين العيش لمواشيهم شتاءً خلال فصل الثلج. ولذا كان اهتمامهم منصباً على ايجاد مزراع شتوية منخفضة يقيمون فيها. ولذا شرعوا في بناء مزارع لمواشيهم تحوّل بعضها مع الوقت إلى أماكن اقامة ايضاً. ومن هنا كانت مزارع شبعا.
3 – إنّ موقع المزارع هو بين لبنان وسوريا واسرائيل، وهو تابع تاريخياً وجغرافياً وعقارياً لبلدة شبعا، وهو أشبه بمستطيل يمتدّ من أصبع الجليل جنوباً إلى قمة الزلقا شمالاً ومن الحاصباني وجبل السماق وجبل الروس غرباً حتى جبل النشبة المقبلة وجبل الصيري شرقاً. وضمن هذا المستطيل واديان (شمال – غرب) وادي العسل بطول 10 كلم ووادي المنجرة. وفي ضوء هذه المعلومات يمكن فهم الكثير عن طريقة السيطرة على تلك المناطق. ومن الضروري التذكير بأنّ بلدة شبعا هي تأخذ اسمها من الشبع «الاكتفاء الذاتي في منطقة جبلية هي منطقة العرقوب».
4 — من الضروري علمياً وجغرافياً الاشارة إلى علو سلسلة الجبال في المنطقة باعتبار أنّ هذا العلو هو أحد المعايير الأساسية لترسيم الحدود بين دولتين تفصل بينهما سلسلة جبلية كما هو الوضع بين لبنان وسوريا، فأعالي جبل الشيخ تقع على 2814 متراً، ثم جبل الزلقا 2669 متراً ومن هناك تنفصل السلسلتان:
– الأعلى على خط النشبة المقبلة بعلو 2224 متراً ومن ثم جبل الصيري 1650 متراً وهذه كانت حدود لبنان مع سوريا منذ العام 1920.
– والأدنى على خط جبل الروس 1530متراً ثم جبل السماق وصولاً إلى الحاصباني وهي الحدود التي فرضها السوريون لحدودهم مع لبنان في تلك المنطقة بدءاً من الأربعينات كما سنرى.