IMLebanon

إرفعوا أيديكم عن الجيش

كتب جان فغالي في “نداء الوطن”:

نقرأ في عنوان الزميلة «الشرق الأوسط»: وزير الدفاع اللبناني: «جنودنا غير جاهزين للقتال». في متن الخبر، نقتبس حرفياً: «الراتب المتدني الذي يتقاضاه الجندي اللبناني يجعله غير متفرّغ للدور القتالي، خصوصاً أنّ أغلب العسكريين يعملون خلال إجازاتهم لتوفير قوت أبنائهم».

ما إنْ صدرت الصحيفة، حتى صدر بيان عن وزير الدفاع يقول فيه إن الصحيفة «اوردت عنواناً له في الصفحة الاولى لا ينطبق مع المضمون بل جاء مجتزأ ومشوِّها لما قاله الوزير لا سيما لجهة ما ورد عن عدم «جهوزية» الجيش للقتال».

الصحيفة كتبت في عنوانها «جنودنا غير جاهزين للقتال». وفي متن الخبر «الراتب المتدني يجعل الجندي غير متفرغ للدور». إذا دققنا قليلاً، نجد أن «غير جاهز» و»غير متفرِّغ»، يؤديان المعنى ذاته، أي أن الجيش، بوضعه الحالي، «غير جاهز وغير متفرِّغ» للانتشار في جنوب لبنان بموجب القرار الرقم 1701.

هذا الكلام لا يحتمل النفي، وخلاصته أن الجيش غير قادر على الإنتشار، واستطراداً لا إمكان اليوم لتطبيق القرار 1701، ولأنّ «الطبيعة تأبى الفراغ»، فإن هناك مَن يُفترض أن ينتشر في الجنوب، إلى حين أن يصبح الجيش جاهزاً. هنا مكمن الخطر من هذه المقولة، فغداً ربما يُقال: «إن جنودنا غير جاهزين للانتشار وغير متفرغين للإنتشار على الحدود بين لبنان وسوريا». بهاتين المقولتين يسقط الجيش، ومع الانهيارات المتلاحقة في البلد، نكون أمام انهيار آخر مؤسسة استطاعت أن تصمد منذ الانسحاب المفاجئ للجيش السوري في العام 2005، وأن تصمد أثناء توريطها في معركة نهر البارد ثم في عملية فجر الجرود، ثم في إبقاء الوضع تحت السيطرة إثر ثورة 17 تشرين 2019.

في كل هذه المحطات التي سبقت، لو قيل إن الجيش غير جاهز وغير متفرِّغ، فماذا كان سيحدث في البلد؟

ألم يُقل شبيه هذا الكلام إثر حادثة بوسطة عين الرمانة في 13 نيسان 1975، حين رفض الرئيس الراحل رشيد كرامي، ومعه الحركة الوطنية، ومن ورائها أبو عمّار، أن ينزل الجيش «خشية أن ينقسم»؟ ماذا كان البديل؟ ومَن كان البديل؟ وماذا حدث؟ سقط الجيش فانهار البلد واندلعت الحرب التي استمرت خمسة عشر عاماً. وقبل ذلك التاريخ بشهرين، أي في شباط 1975، ألم تتوسع المطالبات بسحب الجيش من صيدا بعد حادثة معروف سعد؟

إذا راجعنا التاريخ، فإنّ الإعتراض على دور الجيش، والتشكيك بقدراته، كانا يؤديان إلى سقوطه وإلى انهيار البلد، كان مقدَّراً للحرب أن تندلع في شباط 1975، إثر المطالبة بسحب الجيش من صيدا بسبب دوره «المشبوه» الذي قيل يومها، بإطلاق النار على المتظاهرين، لم يطل الوقت حتى انفجرت الحرب في نيسان من ذلك العام، وما كان لها أن تنفجر لو نزِل الجيش ولم يُقَل إنه ينقسم لو نزِل.

يُخشى أن يعيد التاريخ نفسه، فيجري التشكيك بقدرة الجيش، ولو من باب حسن النية، لكن النتيجة ذاتها. إنّ استمرار الرهان على دور الجيش، يبقى أفضل بكثير من التشكيك بقدرته، ولو عن حسن نية، وبالتالي: ماذا لو لم يخض الجيش اللبناني معركة «فجر الجرود»؟ وماذا لو لم يرد على استهدافه في مخيم نهر البارد، وقول أحدهم: «إن الدخول إلى نهر البارد خط أحمر»؟

المطلوب اليوم القول (وهذه هي الحقيقة): «الجيش قادر على الإنتشار في الجنوب»، وبناءً عليه: «إرفعوا أيديكم عن الجيش، فهو أدرى بحالته».