كتب حبيب البستاني في “اللواء”:
مع اتساع معارك غزة التي شملت كامل القطاع وصولاً إلى رفح على الحدود المصرية، ومع تزايد عدد الشهداء من القتلى والجرحى ولا سيما من الأطفال والنساء، تكثّفت المبادرات واللقاءات على أكثر من صعيد وكأن المطلوب إيجاد حل إنساني قبل حلول شهر رمضان المبارك.
بالرغم من عدد الخسائر البشرية وبالرغم من المجازر التي وصفتها أكثر من هيئة أممية وإنسانية لا سيما تلك التي تُعنى بحقوق الإنسان بالإبادة الجماعية، فإن المبادرات تتمحور حول هدنة إنسانية مؤقتة تسمح بتبادل محدود للأسرى من كبار السن والمعتقلين الفلسطينيين، وتؤدي إلى إدخال مساعدات غذائية وصحية للفلسطينيين المحاصرين الذين باتوا على قاب قوسين أو أدنى من المجاعة الشاملة كما وصفها مصدر أممي. وهكذا نرى وللأسف الشديد أن بعض العرب والمسلمين هم بحاجة لممارسة نوع مما يسمّى بـ «قفة رمضان» وهي عادة تنتهجها الجمعيات الخيرية لتوزيع مساعدات غذائية على الفقراء والمحتاجين طيلة أيام الشهر الفضيل.
وهكذا تبدو الحلول السياسية والهدنة الشاملة ووقف الحرب بعيدة التحقق وذلك في ظل استمرار العدو الصهيوني بحربه التدميرية والمخطط التهجيري الذي يعلن عنه ويتمسّك به وذلك بغية إجبار الفلسطينيين بالنزوح طوعاً أو بالقوة تحت وقع القذائف، فتفتح لهم ممرات الهروب في اتجاه واحد من دون إمكانية العودة.
وهكذا فتهجير الفلسطينيين مستمر والتشابه كبير بين اليوم والبارحة، بالأمس كانت عصابات الهاغاناه والأرجون تقوم بالمجازر لإجبار الفلسطينيين على المغادرة، أما اليوم فإن الدولة العبرية تقوم بهذا الدور مع ما يوفره البث الحي ووسائل التواصل من إيصال الرسائل الواضحة للفلسطينيين بوجوب المغادرة، وهكذا انتقل الإرهاب من إرهاب العصابات إلى إرهاب الدولة، وكل ذلك يحدث بحجة ما جرى في السابع من أكتوبر من عملية لحماس أدّت إلى وقوع قتلى لدى العدو الإسرائيلي.
في هذا الإطار يبدو لبنان الذي ينتظر الحل وكأنه بانتظار السمك بالبحر كما يقول المثل، فالحل الإنساني ووقف النار المؤقت لا يعني لبنان لا من قريب ولا من بعيد، إذ إن الحل السياسي القاضي بوقف الحرب وحده من شأنه أن ينسحب على لبنان ويؤدي إلى نزع فتيل التفجير والدخول في هدوء شبه كامل على الحدود الجنوبية. من هنا لا بد للبنانيين من ابتداع الحلول أو الحل الخاص بهم بعيداً عن أوهام الحل الشامل الذي قد يأتي متأخراً أو قد لا يأتي أبداً. ومن المعلوم أن حل موضوع الرئاسة وانتخاب رئيس للجمهورية هو المدخل الطبيعي للحل في لبنان، فبالرغم من وجود رئيس حكومة وحكومة تصريف أعمال ومجلس منتخب فإن كل هؤلاء لم يستطيعوا سوى زيادة الأمور تعقيداً، وبالتالي فهؤلاء مجتمعين أو منفردين لم يستطيعوا ممارسة صلاحيات الرئيس والاضطلاع بدوره المحوري في القيادة والحوار والقيام بالاتفاقات الدولية التي بدونها لن يستطيع لبنان من استثمار ثرواته من جهة ولا من إجراء الإصلاحات المطلوبة منه ولا الإشراف على عملية مكافحة الفساد التي أصبحت مطلباً لكل اللبنانيين. فهل نحن قادرون؟ وهل يستطيع اللبنانيون من ابتداع الحلول الخاصة بهم؟ الجواب عند اللبنانيين أنفسهم وليس سواهم، يكفي أن يقوم الجميع ممن بيدهم الربط والحل بتحمّل مسؤوليتهم والذهاب إلى الاتفاق على مرشحين كفوئين والذهاب بهم إلى المجلس النيابي والتعهد بالاستمرار في جلسات الانتخاب حتى يتصاعد الدخان الأبيض.