كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
قال الرئيس السابق ميشال عون كلمته ومشى. أطلّ الجنرال بعد طول غياب بمواقف زادت التباعد مع «حزب الله» من دون قطعها «شعرة معاوية». لم يقل عون إن «إتفاق مار مخايل» قضى، لكنه أقرّ بـ «موته السريري». واستكمل هذا الحديث الموقف المسيحي العام الرافض للحرب ولسلوك «الحزب» في الجنوب. بُنيت السياسة العامة في لبنان منذ 2006 على تأثير «إتفاق مار مخايل»، الذي منح «حزب الله» الغطاء المسيحي، وقيل في مراحل سابقة أنّ عون سحب نحو 70 في المئة من المسيحيين من خياراتهم التاريخية إلى خيارات «الحزب» ومحور «الممانعة». حصد عون في إنتخابات 2005 النيابية 70 في المئة من أصوات المسيحيين، لكنّ هذا الحصاد حصل نتيجة وجود رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع في المعتقل، وانفراط عقد «لقاء قرنة شهوان»، والأهم إجراء الانتخابات على وقع الرفض المسيحي «قانون غازي كنعان» الانتخابي وإبرام الحلف الرباعي الذي وضع المكوّن المسيحي خارج اللعبة.
اذاً نال عون 70 في المئة من أصوات المسيحيين بسبب الخوف على الدور، ولم تأتِ هذه النسبة تصويتاً على «إتفاق مار مخايل»، والدليل هو هبوط شعبية عون في إنتخابات 2009 إلى ما دون الـ50 في المئة، ومن ثمّ تراجعت أكثر.
وثمة سؤال يُطرح في العمق المسيحي، وهو: هل عاد المسيحيون إلى خطهم الطبيعي ومواقفهم التاريخية بعد مواقف عون؟ والحقيقة هي أنه على رغم إعلان عون ومعه «التيار الوطني الحرّ» رفض إقحام لبنان في حرب غزة وسياسة ربط الساحات، تخرج بعض الأصوات المسيحية التي تُناصر «حزب الله» في حربه، لكن بعد التدقيق فيها يتبيّن أنها تتمثّل بمن كانت لديهم خلفية قومية ومع «الممانعة»، وانضوت تحت ستار «التيار الوطني الحرّ»، وعندما عدّل «التيار» خطابه ظلت هذه الأصوات على مواقفها مع «الحزب» وليس مع التيار «البرتقالي».
ومهما كانت مواقف عون ومعه رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل لافتة، إلا أنّ الجوّ المسيحي معبّأ ضدّ تصرفات «حزب الله»، ولم يبدأ منذ إقحام لبنان في حرب غزة، بل منذ انفجار المرفأ ومحاولة «حزب الله» ضرب التحقيق، وصولاً إلى انفجار الأمور على الأرض في أحداث الطيونة وعين الرمانة.
وتقود الكنيسة معركة سلام لبنان والحياد في وجه إقحامه في الحرب، وتثني على مواقف «التيار» الأخيرة وتشجعه، ولا يوفّر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي جهداً إلّا ويبذله من أجل إنقاذ الوطن المُنهار من نار الحرب، وهو الذي عرض هذا الموضوع مع السفيرة الأميركية ليزا جونسون في اللقاء الأخير، وأكدت السفيرة موقف بلادها الرافض للحرب والعمل على تطبيق القرار 1701. ويُضاف رأي الكنيسة الوطني والروحي والذي يتحدث باسم المسيحيين والأغلبية الساحقة من اللبنانيين، إلى موقف «القوات اللبنانية» التي تُعتبر رأس حربة في التصدّي لمشروع «حزب الله»، وبالتالي يتكوّن شبه إجماع مسيحي على رفض كل ما يحصل جنوباً، والإستفراد بالقرار في ظل غياب رأس الدولة. وتحاول فئة معيّنة «التشويش» على الرأي العام المسيحي الذي تكوّن أخيراً، وهذه الفئة تتمثّل بقسم يريد قتال المسيحيين إلى جانب «حماس» و»حزب الله» نصرةً لغزة. ويحاول «التيار» مماشاة الإرادة الشعبية المسيحية. وإذا كان جزء من إبتعاد «التيار» عن «حزب الله» مرتبطاً بالرئاسة، إلا أنّ هناك تأكيدات عونية أن لا تراجع عن السقف الذي أعلنه عون في إطلالته الأخيرة. وترفض القيادات المسيحية الأساسية من روحية وسياسية تحميل المسيحيين في هذه المرحلة أكثر ممّا يتحمّلون، فالجميع في أزمة وليس المكوّن المسيحي وحده، فالبلد مهدّد بأبشع حرب، وبالتالي، يساهم الموقف العام المسيحي في رسم سياسة لبنان المستقبلية، خصوصاً أنّ أحداً لا يدري بنوايا إسرائيل أو مخطّطات إيران، لذلك تنصرف القيادات المسيحية إلى مواجهة الأخطار المُحدقة بالدولة وأولها خطف قرار السلم والحرب وتطبيق القرارات الدولية، ومن جهة ثانية، تأمين أبسط مقوّمات صمود المجتمع في هذه الفترة العصيبة من تاريخ لبنان.