كتبت يولا هاشم في “المركزية”:
جيبوتي، ضحية جديدة تضاف الى سلسلة ضحايا هجمات الحوثيين في البحر الأحمر. منذ أيام تلقت هيئة رابطة التجارة البريطانية بلاغا عن حادث على بعد 70 ميلا بحريا شرقي ميناء جيبوتي. الأمر الذي شكل استفزازاً لجيبوتي، التي تطل على مضيق باب المندب وتعتبر ذي أهمية استراتيجية اقتصادية وسياسية كبيرة للتجارة العالمية. ومنذ بدء استهداف الحوثيين للسفن العابرة في مضيق باب المندب والبحر الاحمر تبدّل الوضع، وتأثرت حركة النقل خاصة في ميناء جيبوتي الذي يشكل شريانا حيوي للعديد من دول المنطقة، واستمرار الأزمة سيكون بمثابة كارثة لاوروبا وآسيا. فإلى متى سيستمر الحوثيون في مهاجمة السفن وضرب اقتصاد الدول؟
المحلل السياسي الدكتور خالد العزي يؤكد لـ”المركزية” ان “ما يحدث في البحر الاحمر استفزاز ايراني للغرب بواسطة الميليشيات وتحديدا الحوثيين، والسبب، أولاً ان ايران تفتح باب التفاوض مجدداً، بعد ان تفاجأ الاميركيون وتحديدا الحزب الديمقراطي، بتصرفات ايران مع الوجود الاميركي وخاصة بعد التنازلات والحوافز التي قدمتها لها إدارة الرئيس جو بايدن منذ وجودها في الحكم. وثانياً، ان ادارة بايدن لا تتعامل مع الموضوع بطريقة الضغط لأنها لا تريد الدخول في صراع مع الميليشيات أو الأذرع في المنطقة، وإنما يهمها أمن واستقرار الشرق الاوسط خاصة بما يتعلق بالملف النووي. وثالثاً، ان ادارة بايدن لا تحدد شروط بقائها في العراق او خروجها منه او اعادة تموضعها في المنطقة نتيجة طلب من طرف او مؤسسة تفرض عليها هذا الامر”.
ويشير العزي الى ان “الإدارة الأميركية تزيد الضغط على ايران ومن خلفها الحوثيين لمنعها من استخدام القوة ضد التجارة العالمية وخاصة ان الغرب اصبح مؤمنا بان ما تفعله ايران مجرد ذريعة للضغط على واشنطن للإذعان لشروطها وأهمها ان تكون ايران جزءا من اي تسوية مستقبلية في المنطقة. لذلك، فإن ادارة بايدن جدية في الرد على الحوثيين، وقد استطاعت ان تُنزل فيها ضربات موجعة. وعندما سئل وزير الدفاع الاميركي لويد اوستن عن الامر منذ أيام، عن ان “الحوثيين يملكون ترسانة كبيرة ولا يمكن ان تنتهي بسهولة”، أجاب “نملك عشرات الأضعاف مما يملكه الحوثيون”. ما تقصده الادارة الاميركية هو “الهدف من ضربات الحوثييين ردعهم فقط، لكن إذا اصروا على الدخول في المعركة فسيتلقى ضربات قاسية وموجعة من خلال ضرب الترسانات والمواقع والإدارة اللوجيستية والاتصالات وصولا الى عمليات الاغتيالات التي ستكون حالة جديدة في التعامل معهم كما حالة اسرائيل او الولايات المتحدة في كل من العراق ولبنان وسوريا”.
ويعتبر العزي ان “المشكلة مع الحوثيين انهم ما زالوا يصعّدون. لكن السؤال المطروح، ما الذي حققه الحوثيون؟ واذا كان شعارهم “منع التجارة ووصولها الى الولايات المتحدة واسرائيل”، نرى بحسب الجداول بأن مصر من أكثر الدول التي تضررت اقتصاديا بعد ايقاف مرور السفن في قناة السويس، المتجهة نحو الخليج العربي وخليج عمان. كما انها انعكست على التجارة الصينية التي تضررت وتمرّ اليوم في حالة صعبة جدا في التعامل مع ما يحدث في البحر الاحمر. وتعتبر الصين أنها المتضرر الاكبر ومن ثم الدول الاوروبية، وبالتالي هذه الهجمات لم تحقق نتائج فعلية على الاقتصاد الاسرائيلي او الاميركي لأن تجارتهم تشكل 2 في المئة في البحر الاحمر. من هنا رأينا عودة الاوروبيين للاهتمام بمنطقة الخليج العربي. وتريد الهند ان تبعث رسالة بأن مشروع الممرات لن ينتهي ولن تستطيع ايران ايقافه. في هذه اللحظة تنجز الهند عمليات تجارية كأنها تتحدى ايران وميليشياتها عبر استخدام الخط البري الذي كان منجزا قبل عملية طوفان الاقصى، وكأنها تقول لايران ان حروبكم ستنتهي مع الايام لكن الخط سيبقى ويتفاعل ويستمر”.
ويضيف: “اذاً الايراني استدعى الاوروبي ليفكر فعليا بنفوذه في الشرق الاوسط بعد ان كان ضعيفا جدا في المنطقة، من هنا ومنذ لحظة طوفان الاقصى الاولى دخل الاوروبي بالبارجات والناقلات الى البحر المتوسط ومن ثم شارك في “عملية الازدهار” وفرقة العمل المشتركة 153 (CTF 153) بقيادة ايطاليا وموقعها اليونان لضمان نفوذ ومصالح اوروبا، خاصة ان الاوروبيين والاميركيين يشعرون بالنقمة القوية تجاه ايران بعد مساعدتها وتزويد روسيا بمسيرات وصواريخ تعتبر انها تدمر مدنناً اوروبية وتشكل خطرا على الامن القومي الاوروبي. اذا كل ما قام به الاوروبيون وتحديدا وضع الاجنحة العسكرية تحت لائحة الارهاب والوقوف مع اسرائيل في محاولة لاحتواء طهران”.
ويرى العزي ان “نتيجة الاخطاء التي ارتكبتها سابقا، تعيد واشنطن اليوم دفع العملية باتجاه الهدوء، من خلال دعم القيادة العسكرية اليمنية اي الجيش اليمني، الذي قد يكون الرد الفعلي على حماية الامن في البحر من خلال تعزيزه وتوحيده واعطائه دوراً أساسياً، ومن أجل معلومات استخباراتية وقوات لوجيستية تستطيع ان تحقق ضربات موجعة لعمليات التهريب وخاصة بعد ان وضِع الحوثيون مجددا على قاعدة بنك الاستهداف الدولي من خلال العقوبات وهذا يجعلها غير مرغوب بها وبالتالي تسمح بمعاقبة وملاحقة كل الشركات التي تتعامل معها”.
ويتابع: “اذاً ماذا يواجه الاخرون في عملياتهم في البحر الاحمر؟ ايران اعتمدت على الزوارق الصغيرة في عمليات التهريب واستخدمت المهربين الصوماليين لان لديهم دورا وباعا طويلا في عمليات التهريب السابقة. لذلك، فإن الدخول الى جيبوتي يدخل من ضمن المقارنة بأنها تضم قواعد عالمية اميركية وفرنسية وبريطانية منتشرة فيها، بالاضافة الى قاعدة صينية. وقد حاولت ايران إنشاء قاعدة عندما كان الرئيس فارسيا لكن محاولاتها باءت بالفشل”.
ويؤكد العزي “ان دخول واستخدام جيبوتي في عملية المواجهة مجددا سيقلب الطاولة على الايرانيين لأن موقع البلاد مدعوم عالميا، كما ان الوجود الصيني فيها سيشكل جزءا من حماية المصالح وضرب المهربين، وبالتالي ستكون المواجهة غير مباشرة مع ايران التي سيخف دورها وقدراتها في حال ترافقت مع احتضان دولي من خلال “عملية الازدهار”. لكن هذه العملية لم تنجح الآن وسوف تستغلها ايران في هذه الفترة للتعبئة الشعبوية ورفع رصيدها بأنها تمنع السفن المتجهة نحو اسرائيل التي ترفع العلم البريطاني والاميركي. لكن لاحقا بانتظار انتهاء الهدنة في غزة ستنضم اليها دول كثيرة. إلا ان هذه المهمة لن تنجح اذا لم تنضم اليها الدول المشاطئة للبحر المتوسط التي ستندفع من أجل حماية مصالحها”.
ويختم: “الموضوع في عملية تطور دائم لكسر الكباش، ومن يتمكن في هذه اللحظة. اعتقد ان الايام القادمة لن تكون لمصلحة التعبئة الشعبوية الايرانية، لسبب بسيط وهو ان عاجلا ام آجلا ستنتهي قضية غزة وستدخل في اتفاقية. اما عملية تحجيم وضرب هذه القوى، فهناك توجه اميركي لردعها، وفي حال لم يحصل الردع ستنزل ضربات قاسية بهذه المجموعات حتى لو كانت مجموعات المهربين”.