Site icon IMLebanon

المسيحيون والشيعية السياسية: أزمة ثقة؟

كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:

لا تقتصر أهمية «لقاء الهوية والسيادة» الذي استضافته بكركي لمناقشة «رؤية جديدة للبنان الغد– دولة مدنية لا مركزية، حيادية»، في الكلمات التي استفاض أصحابها في شرح مقاربتهم للموضوعات المطروحة على أهميّتها، بل في جانب من النقاشات الداخلية التي أفصحت عن حقيقة الواقع في العلاقة بين المسيحيين والمسلمين، ولا سيما الشيعة في لبنان. تلك العلاقة التي تميل الى التوتّر على خلفية جملة مسائل خلافية عنوانها الإقصاء والتفرّد في الحكم بعيداً عن الشراكة التي هي شرط للعيش المشترك.

خرج بعض المشاركين في هذا المؤتمر خائبي الأمل من النقاشات التي دارت بين المتحاورين والتي ظهّرت فائضاً من العتب والملامة بين المسلمين والمسيحيين، وأفصحت عن تباعد في الرؤى والمقاربات لموضوعات يفترض أنها مسلّمات وطنية. نقاشات على قاعدة «أنتم ونحن»، و»لديكم ولدينا»، عادت الى الماضي لتبرّر خلل الحاضر.

وما كان يتلفّظ به المسيحيون في مجالسهم الخاصة بدأ يخرج الى العلن تدريجياً على صورة نقاشات تظهر تململاً من واقع آخذ في التمدّد عنوانه الإقصاء من الدولة. ولهذا السبب تطرح جدياً على بساط البحث مسائل على جانب من الحساسية كآلية انتخاب رئيس للجمهورية واللامركزية الإدارية الموسّعة ونظام الحكم القائم على ثنائية شيعية- سنية لم يسبق لها مثيل في لبنان حتى في زمن الوصاية السورية.

نشاطات متتالية تمحورت مناقشاتها حول هذه العناوين. فإلى لقاء بكركي الذي ضمّ طيفاً سياسياً واسعاً، تعقد لقاءات مسيحية في مطرانية الموارنة في قرنة شهوان غايتها فتح النقاش في إعادة صياغة النظام على أن ترفع النتيجة الى البطريرك.

وإذا كان لا صوت يعلو فوق صوت معركة الجنوب وغزة، فإنّ هذه الجبهة وانخراط «حزب الله» فيها راكما أسباب التباعد. منذ خمسة أشهر أي منذ بداية الحرب، لم يدخل «حزب الله» في نقاش مع أي طرف محلي، بمن فيهم حليفه المفترض. أقفل باب الانتخابات الرئاسية التي صارت مرتبطة حكماً بمصير الحرب على الجبهتين والتزم الصمت وعينه على الميدان. حتى لكأنّ فائض القوّة لديه جعله في حلٍ من حليف وفي غنى عنه. ثمة شعور مسيحي جامع أنّ الثنائي الشيعي يتعامل باستعلاء ولا يولي اهتماماً مشروعَ الدولة والشراكة الجامعة.

لم يعد من المجدي المكابرة والتغاضي عن واقع التشنّج الماروني- الشيعي الآخذ في التمدّد حتى بلغ درجات متقدّمة. وما عكسه مؤتمر بكركي ليس إلا واحداً من الأجواء التي يتلمّسها المسيحيون، والتي تثبت أنّ التوافق بين المسيحيين على نقاط مشتركة صار أقرب، من بينها اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة التي صارت مطلباً يلتقي عليه «القوات» مع «التيار الوطني الحر» و»الكتائب» بصدد بلورة موقف، إذ كان المسيحي منزعجاً من حكم «الترويكا» الذي استمرّ من عام 1990 وحتى عام 2006، وظنّ أنّه دخل في الشراكة بعدها، لكنه يشعر بالخيبة لمصادرة قراره واستثنائه في كثير من المحطات، أبرزها الرئاسة، ثم في تفعيل عمل الحكومة في ظل الفراغ الرئاسي ومن دون الموارنة.

وفي الوسط المسيحي والماروني تحديداً، هناك من يعتبر أنّ الشيعية السياسية لا تريد بناء دولة بالشراكة. كلام بيار رفول يعكس تحوّلاً كبيراً. رجل الرئيس ميشال عون في سوريا والأقرب إلى «حزب الله»، لم يوفّره من انتقاداته، واتّهمه بأنّه كان «جزءاً مشاركاً في الانهيار»، و»لا يهتمّ بانتخاب رئيس». منطق سائد يستوجب رصده وأبعاده.

في النقاشات، تلمس وجود رفض مسيحي للبنان الذي لم يعد يشبه المسيحيين وضرورة العمل على صيغة ثانية. ليس هناك مشروع محدّد أو مدعوم من جهة معيّنة. الإحباط المسيحي المستجدّ مختلف عن الماضي، عندما كان ميشال عون في المنفى وسمير جعجع في السجن. لا يتعلّق بسلاح «حزب الله»، بل بالشراكة في الدولة، فالسّلاح الذي أيّده فريق مسيحي وازن بات يشكّل عامل قلق عندما تحوّل من وجهة مسيحية الى دعم فريق لقهر فريق آخر. والاستراتيجية الدفاعية التي كانت موضع جدل ونقاش لم تعد قابلة للنقاش من قبل فريق من اللبنانيين.

في الوسط المسيحي ثمة من يرى أنّ استمرار الثنائي بالتمسّك بمرشّحه يفاقم الأزمة، فلا يجوز كسر إرادة المسيحيين في الرئاسة بانتخاب مرشح الثنائي، وإلا فلا رئاسة. في كل النقاشات والحلقات داخل المجتمع الماروني، والمسيحي عموماً، يجري الحديث عن اللامركزية وصلاحيات الرئيس يجب أن تشمل حلّ مجلس النواب حين يمتنع عن انتخاب رئيس للجمهورية. الموضوعات التي كانت غير قابلة للنقاش لاعتبارات مختلفة صارت موضع نقاش علني وصريح.

تتحدّث شخصية مسيحية وازنة عن اصطفاف مسيحي مستجدّ، وتقول «حين شعر المسيحيون أنّ الناصرية تضرب الدولة التقوا مع بعضهم عام 1958، وحين استشعروا الخطر الفلسطيني وجد الحلف الثلاثي، وحين وقعت الحرب ولدت الجبهة اللبنانية برئاسة سليمان فرنجية، واليوم قد يدفع موقف الإسلام السياسي بالموارنة الى حلف ثلاثي جديد وقد يكون صدامياً في السياسة». ويتابع «اجتماعهم لن يكون هذه المرّة على مشروع سياسي، بل في مواجهة مشروع سياسي يريد كسرهم، وهنا مكمن الخطورة». يساور المسيحيين شعورٌ بالقلق من «أنّ الوطن الذي شاركوا في تأسيسه، ثم ارتضوا المناصفة فيه من خلال اتفاق الطائف في «الجمهورية الثانية»، يتغيّر وجهه، توافق 59 نائباً لا يؤمّن انتخاب رئيس، ويبقى المجلس معطّلاً، ويصبح البلد تحت مظلّة ثنائية سياسية شيعية – سنية لم يسبق لها مثيل، بينما لم يعد للفريق الداعم للمقاومة أي حجة تحميه، وإذا دافع جرى اتّهامه بالذمّية».