كتب طوني جبران في “المركزية”:
لم يشعر عشرات اعضاء الوفود العربية والغربية المشاركين في “مؤتمر أنطاليا الديبلوماسي” على الساحل الغربي لتركيا الذي عقد ما بين 29 شباط الماضي والثاني من آذار الجاري بالهزة الارضية التي تعرضت لها منطقة أنطاليا صباح أمس الاول الجمعة لأسباب غير واضحة، ذلك ان حرارة الملفات المطروحة على المؤتمرين حجبت نتائجها وهي التي لم تتجاوز قوتها الدرجات المؤدية الى ترتيب اي مخاطر جدية على سكان المنطقة وروادها.
كان من الواضح ان احد اعضاء الوفد اللبناني الذي يرافق وزير الخارجية عبد الله بو حبيب الى اعمال المؤتمر تبلغ من الاعلاميين في لبنان بالهزة الارضية التي أصابت المنطقة التي تحيط بمقر المؤتمر ورد بعدم شعوره بمثل هذه الهزة ولم يسمع من احد بوقوعها قبل ان يتذكر بأنه شعر بـ “ارتجاج خفيف” قرابة التاسعة والنصف صباحا بالتوقيت المحلي. مع الإشارة الى أنها تزامنت واعمال المؤتمر الدولي المنعقد في المدينة السياحية بحضور أكثر من 100 وفد ديبلوماسي من مختلف القارات في ضيافة الرئيس التركي رجب الطيب اردوغان مطمئنا ان الضيوف لم يتأثروا بالهزة وتردداتها الاولى وتلك التي تلتها.
الى هذه الملاحظة، شهدت طاولات المؤتمر مناقشات معمقة بعدما تناولت العديد من الملفات الدولية الكبرى بدءا بمجريات الحرب الروسية على اوكرانيا وما رافقها وهي التي عبرت عامها الثاني في الثالث والعشرين من شباط الماضي وصولا الى الحرب في قطاع غزة وتردداتها في جنوب لبنان وصولا الى اليمن والبحر الاحمر جنوبا وسوريا والعراق في عمق منطقة الشرق الأوسط وما يمكن ان تحمله الايام القليلة المقبلة من توقعات، خصوصا بما يتصل بالمساعي الدولية التي تلاحقت من اجل التوصل الى اي شكل من أشكال وقف النار ولو كان مؤقتا لترتيب عملية تبادل الأسرى والرهائن الاسرائيليين لدى حماس في مقابل اطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية.
وبعيدا من التفاصيل، فقد انتهت الجردة الديبلوماسية لما افضت إليه المناقشات وما رافق بعض اللقاءات الديبلوماسية الجانبية الى الاشارة الى الملاحظات الاتية:
– لم يتمكن اي من الديبلوماسيين الغربيين المشاركين في المؤتمر تفسير ما يؤدي الى إثبات دقة الموعد الذي حدده الرئيس الاميركي جو بايدن يوم غد الاثنين توصلا الى وقف للنار في غزة.
– ما زالت الجهود المبذولة تصطدم بالعديد من العوائق التي تحول دون الإتفاق على ما يسمى بالخطوط العريضة لما يمكن تسميته بـ “اتفاق الإطار”. وما يقول به من مراحل يمكن عبورها بطريقة مضمونة تلي الموعد المحدد لوقف النار عدا عن عقدة إحصاء عدد ما تبقى من الرهائن لدى حماس وزميلاتها الفلسطينية وفرز الأحياء عن القتلى منهم.
– لم تظهر اي نتائج ايجابية بعد لحصيلة المفاوضات السرية الجارية في أكثر من عاصمة لوقف العمليات العسكرية في اليمن والبحر الأحمر على غرار تلك التي أدت إلى تقليص حجم العنف في العراق بعدما لجمت إيران اذرعها فيه بشكل شبه نهائي بانتظار ترجمة تعهداتها لضبط الوضع في سوريا ايضا.
– ليس ما يضمن ان تجاري اسرائيل هذه المرة قرار حزب الله ورغبته بالتجاوب مع اي هدنة في قطاع غزة لترجمتها على الحدود الجنوبية. وأخطر ما هو متوقع ان تل ابيب قد لا تقبل ان تبقي قرار وقف النار على الجبهة الشمالية بيد حزب الله وإيران من خلفه.
ومهما تعددت الملاحظات، فإن ما انتهت اليه بعض اللقاءات أوحى بطريقة لا يرقى اليها الشك بأن قرار وقف النار ليس في تل أبيب لحسم الجدل القائم حول موعده بعد ما ادت اليه العمليات العسكرية من مجازر في قطاع غزة وما يجري في بعض مدن الضفة وأن العقوبات التي فرضتها على بعض قادة المستوطنين لا تعدو كونها عملية علاقات عامة للتبرؤ مما ارتكب في غزة من مجازر، لمجرد ان عدد الشهداء زاد على ثلاثين الفا والجرحى على مئة ألف وسط فقدان اي رقم يتحدث عن المفقودين الذي قد يتجاوز الآلاف العشرة على الأقل.
واخطر ما اشارت إليه الملاحظات اباح به ديبلوماسي غربي لامع عندما عبر عن قلقه ازاء ما ثبت لديه بأن لائحة شروط الرئيس الاميركي جو بايدن قد تكون اكبر واطول واصعب من شروط رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو وعندها كيف سيكون الحل وعلى اي أسس.
وفي ظل صعوبة الاجابة على آخر الملاحظات والاسئلة التي حملتها، ختم ان علينا ان نراقب ما يجري ما بين واشنطن وطهران وتل أبيب بمعزل عما يجري بين واشنطن وباريس والرياض والدوحة والقاهرة وهو ما تترجمه حركة مجموعة “سفراء الخماسية” في بيروت وما يمكن ان تشهده من انقلابات هادئة تجري ترجمتها على مراحل.