كتب وليد شقير في “نداء الوطن”:
يستبق الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين إنجاز الإتفاق على وقف القتال في غزة بعودته إلى مسار التفاوض على التهدئة في جنوب لبنان، بدءاً من اليوم، بعدما كان آثر في الأسابيع الماضية انتظار التوصّل إلى هذه الهدنة كي يعمل على هذا الملف.
كان هوكشتاين توصّل إلى قناعة بأنّ استئناف العملية الدبلوماسية الهادفة إلى حلّ جذري للمطالب الأمنية المطروحة من الجانبين اللبناني والإسرائيلي لن يأتي بالنتائج المطلوبة طالما أنّ المسؤولين الحكوميين اللبنانيين تبنّوا بالكامل شرط «حزب الله» وقف الحرب ضدّ غزّة قبل البحث بأيّ مقترحات تتعلّق بالتهدئة وبحلول مستدامة للوضع الأمني على الحدود. فهو يدرك تأثير «الحزب» الحاسم في تركيبة حكومة تصريف الأعمال الراهنة ورئيسها نجيب ميقاتي، في وقت يخوض مواجهة مع الجيش الإسرائيلي تحت شعار مساندة غزة، وعلى اطلاع واضح على التطمينات التي تلقتها الإدارة الأميركية من المسؤولين الإيرانيين بأنّ طهران لا تريد من حلفائها توسيع الحرب، وأن عمليات «حزب الله» العسكرية مضبوطة ومحدودة بقدر تأكيد التضامن مع حليفة إيران حركة «حماس» في غزة. هذه المعطيات، يضاف إليها تبلغه بتأييد «الحزب» لما أبلغه رئيس البرلمان نبيه برّي وميقاتي للتفاوض على تطبيق القرار الدولي الرقم 1701 وتنفيذ اتفاق الهدنة بين البلدين.
على هذه الأسس غادر هوكشتاين بيروت عندما زارها من أجل دفع المسؤولين اللبنانيين إلى وقف التصعيد جنوباً في الأسبوع الأول من شهر تشرين الثاني الماضي، ثم خلال زيارته الأخيرة في 11 كانون الثاني الماضي. فهل من معطيات جديدة فرضت عودته، بينما محادثات الهدنة في غزة ما زالت تتأرجح بين الشروط الإسرائيلية التي تتوخّى إطالة الحرب، ومطالب حركة «حماس» التي تطالب بإطالة أمد الهدنة عن 45 يوماً، وبرفع عدد الأسرى الفلسطينيين الذي يفترض بتل أبيب الإفراج عنهم؟
في كلّ الأحوال وفي انتظار تبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود في ما يخصّ الهدنة، كانت معطيات أوساط دبلوماسية في بيروت أشارت إلى أن هوكشتاين سيوقّت حضوره مع بلوغ التصعيد مرتبة جديدة تهدّد بتوسع الحرب وتنذر بانفلات الجبهة. والأيام الماضية كانت مؤشراً إلى ذلك. إسرائيل توسعت في عمق قصفها، وأمعنت في اغتيال قادة ميدانيين مهمين في «حزب الله»، وفي استهداف المدنيين، وفي الدمار الذي تلحقه بالمنطقة الحدودية لتحويلها إلى أرض محروقة وإلى حزام أمني خالٍ من السكان ومن تواجد المقاومة. و»حزب الله» استخدم أسلحة جديدة في مواجهة المسيّرات العدوّة فأسقط اثنتين منها وعاد إلى إطلاق الصواريخ الدقيقة الموجهة مستهدفاً إضافة إلى المستوطنات التي كان هوكشتاين حدّدها هدفاً لمهمته في زيارته الأخيرة حين قال: «علينا أن نجد حلّاً دبلوماسياً يسمح للمواطنين اللبنانيين بالعودة إلى منازلهم في جنوب لبنان ويُمكّن كذلك الإسرائيليين من العودة إلى منازلهم في الشمال». و»الحزب» ليس بعيداً عن هذه المعادلة هو الآخر من جهته، وهو يدرك مدى الأضرار التي يتحملها إضافة إلى خسارته كوادر مهمة. يدلّ إلى ذلك قول النائب حسن فضل الله إن «الثمن الذي ندفعه اليوم، سيؤدي في المستقبل إلى تكريس معادلات تحمي الجنوب ولبنان، وتعيد إليه الاستقرار والأمان والاطمئنان… أمام حجم المعركة والنتائج المستقبلية التي ترسم مستقبل بلدنا، علينا أن نتحمل هذا العبء». فهل حان أوان التخلص من هذا العبء؟
قبل الحديث عن الصعوبات التي تواجه مهمة الوسيط الأميركي، وقبل أن يتطرّق إلى الجزء المتعلّق بإظهار الحدود البريّة المرسّمة بين لبنان وإسرائيل ثمّة أسئلة عدّة تواجه هوكشتاين. فإزاء فرضية نجاح التوصّل إلى هدنة يصرّ عليها الرئيس الأميركي جو بايدن لأسباب داخلية جرّاء الحملات داخل حزبه على سوء أدائه في غزة، كيف سيضمن هوكشتاين التهدئة أثناء التفاوض الذي سيقوده، إذا كان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت توعد «الحزب» بمواصلة ضربات جيشه للمقاومة حتى لو توقّف القتال في غزة وهل سيبقى «الحزب» مكتوف الأيدي في هذه الحال؟