كتبت زينب حمود في “الاخبار”:
«بـ 400 دولار تستأجر شقة ذات إطلالة مميزة في السويد»، وبالمبلغ نفسه تستأجر «شقة من غرفتين، كلها نش، لا يدخلها الضوء، في الضاحية الجنوبية، شرط دفع إيجار سلف عن الـ 12 سنة المقبلة، وتسديد عمولة للوسيط وللناطور والدكنجي…»، كتب أحدهم على صفحة «فايسبوك» تعرض شققاً للإيجار في الضاحية الجنوبية لبيروت، ساخراً من بدلات الإيجار المرتفعة و«الشروط التعجيزية» التي يضعها أصحاب الشقق. رغم ذلك، العروض على مثل هذه الصفحة نادرة بأسعار «كاوية» مقابل طلب كثيف.تدريجياً، عادت إيجارات الشقق السكنية إلى ما كانت عليه قبل الأزمة الاقتصادية، وبات بدل الإيجار الشهري يوازي راتب موظف في القطاع الخاص أو يزيد عليه أحياناً، ويتقدم بأشواط على رواتب موظفي القطاع العام. ويشير أحد السماسرة، مثلاً، إلى أن «عسكرياً في قوى الأمن الداخلي طلب شقة للإيجار مقابل 150 دولار كحد أقصى، فلم أجد مقابل هذا المبلغ سوى غرفتين تحت الدرج في منطقة حي السلم في مبنى آيل للسقوط».
رجحان كفة الطلب على العرض أدى إلى بدلات مبالغ فيها قياساً بموقع الشقة ومواصفاتها، وهي تبدأ من 400 دولار لشقة عادية من أربع غرف، لتصل إلى 700 دولار. ويقول حسن الذي يبحث عن شقة في الضاحية منذ ثلاثة أشهر إن صديقاً له استأجر شقة من ست غرف في فرن الشباك بـ 400 دولار، «فيما عجزت عن العثور على شقة مناسبة من أربع غرف بهذا السعر في بئر العبد أو الرويس». ويؤكد علي زعرور، وهو صاحب مكتب لبيع العقارات وتأجيرها، أن الضاحية تشهد أزمة سكن حادّة، فـ «الشقق المتاحة للإيجار نادرة جداً، وإذا وجدت، فبمواصفات غير جيدة وبشروط تعجيزية يضعها المالكون»، من بينها توقيع عقود إيجار سنوية قابلة للتجديد برضى الطرفين بما يضرب مبدأ الاستقرار في المسكن، وتسديد بدل الإيجار مسبقاً عن 3 أشهر إلى 6 أشهر، وأحياناً سنة، متجاهلين قدرة المستأجرين، ومعظهم أجراء وموظفون، على تأمين المبلغ دفعة واحدة. علماً أن أربع سنوات من الأزمة المالية أدّت إلى تراكم الأعطال في الشقق، حتى صار عدد كبير منها غير صالح للسكن، في ظل رفض أصحابها «الدفع على إصلاحها أكثر مما يجنونه من استثمارها». لذلك، تخلّى سامي عن قرار الانتقال من جدرا إلى الضاحية قريباً من مكان عمله. إذ «بعد شهرين من البحث المضني أدركت أنّ من المستحيل العثور، بسعر معقول، على شقة تتوافر فيها المواصفات المطلوبة من مياه وموقف سيارة ومولد كهرباء لا يمارس التقنين في الحي».
ويلفت زعرور إلى «تزامن ارتفاع بدلات الإيجار مع أزمة النزوح. فقبل الحرب، كانت الإيجارات تراوح بين 250 و300 دولار. وعندما لاحت في الأفق فرضية زيادة الطلب ربطاً بالنزوح، انفجرت الأزمة»، ولا تزال، رغم أن العدد الأكبر ممن تركوا قراهم في القرى الحدودية لجأوا إلى القرى والمدن الأقرب إليهم، وقلة منهم وصلت إلى الضاحية. أضف إلى ذلك أن الضاحية، أساساً، ليست مصنّفة «آمنة» في حال توسع الحرب.
يستحيل «الظفر» بشقة للإيجار في منطقة الضاحية من دون الاستعانة بسمسار يحصل عادة على عمولة تساوي قيمة إيجار شهر واحد. وهؤلاء، في كثير من الأحيان، «يتحملون جزءاً مهمّاً من المسؤولية عن معاناة المستأجرين»، بشهادة السمسارة إيمان عبد الله. إذ «يحرّضون أصحاب الشقق على رفع بدل الإيجار لمضاعفة أرباحهم. فكلّما ارتفع البدل، زادت عمولتهم. وللسبب نفسه، يحثّون من يرغب على عدم البيع بالسعر المعروض واعدين إياه دائماً بزبون يدفع أكثر».