كتبت ركيل عتيق في “نداء الوطن”:
«أي هدنة في غزة لن تمتد بالضرورة تلقائياً إلى لبنان، لذلك يجب العمل على انجاز الحلّ في غزة وفي لبنان. والتصعيد أمر خطير ولا شيء اسمه حرب محدودة، ففي حال نشوب حرب عبر الحدود الجنوبية للبنان فإنّها لن تكون قابلة للإحتواء». هذا ما أعلنه المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، أمس الأول، بعد زيارته رئيس مجلس النواب نبيه بري. وهذه خلاصة الموقف الأميركي وجوهره، بحسب مصادر مطّلعة. وعلى رغم أنّ هناك «هجمة» أميركية ديبلوماسية جدية للتوصل إلى تهدئة شاملة في المنطقة، يأتي كلام هوكشتاين كـ»تحذير» لـ»حزب الله»، في سياق تحذيرات عدّة سابقة، لكي يفك الرابط بين لبنان وغزة ويقبل التفاوض على إيقاف النار جنوباً.
الأميركيون جدّيون هذه المرة بحلّ المشكلات العالقة على الأرض، وهناك تبدّل كبير في موقفهم، إذ إنّهم باتوا يتحدثون عن وقف إطلاق نار مباشر وسريع في قطاع غزة، وهذا ما آثروا عدم طرحه خلال الأشهر الخمسة السابقة. وهذا أساس ما يحمله هوكشتاين، والهدف من حراكه التوصل بالتوازي إلى وقف إطلاق نار بين إسرائيل و»حماس» وتخفيف التوتر على الحدود اللبنانية. لكن ما من سيناريو محسوم حتى الآن، وكلّ الاحتمالات لا تزال مطروحة، بحسب السفير الأسبق في واشنطن رياض طباره. فهل ستعمد إسرائيل إلى القيام بعمل غير منطقي ومسؤول؟ هل أنّ الممانعة ستستمرّ في التصعيد؟ هل أنّ الأميركيين سيصلون إلى حلّ من خلال «الهجمة الديبلوماسية»؟ الواضح حتى الآن، هو التبدّل الكبير في الموقف الأميركي، فلم يعد هناك لا «كارت بلانش» ولا «غرين كارد» لإسرائيل، كما في بداية الحرب بعد عملية «طوفان الأقصى»، حين تعاطف الأميركيون مع إسرائيل وتركوها تنتقم. ويأتي التغيّر في الموقف الأميركي تبعاً للتغيّر على الأرض، من الرأي العام العالمي الضاغط، إلى التظاهرات في شتى أنحاء العالم، إلى الأهم بالنسبة إلى الإدارة الأميركية: الانتخابات الرئاسية وتأثير حرب غزة عليها، خصوصاً على الرئيس الأميركي جو بايدن.
وبالتالي باتت المعادلة الآن، بحسب طباره: الأميركيون يشعرون أنّ استمرار الحرب سيؤثر عليهم، الإسرائيليون مضغوطون من عودة المستوطنين إلى التظاهرات في الداخل لتحرير المخطوفين، و»الممانعة» لن تتوقف من دون حفظ ماء الوجه. وفي هذه المرحلة، يشدّ كلّ طرف لجهته، ومن غير الواضح كيف ستنتهي لعبة «عض الأصابع» وأي اتجاه سيفوز وستكون له الحصة الأكبر في النهاية. ويبقى الرهان أو التفاؤل على أنّ مصلحة الولايات المتحدة تكمن في تهدئة الأوضاع بنحوٍ كامل.
انطلاقاً من ذلك، من المتوقّع أن يتواصل التحرّك الأميركي الجدّي للوصول إلى وقف إطلاق نار في غزة، وإلى حلّ ديبلوماسي بين «حزب الله» وإسرائيل. فواشنطن لن تفرض على «الحزب» التراجع من دون مقابل، وفق ما يشرح طباره. لكن هذا «المقابل» ليس على الطريقة اللبنانية، ولن يكون عرض هوكشتاين: «خذوا رئاسة الجمهورية مقابل التراجع جنوباً». بل سيُعطيهم ما يحفظ ماء الوجه. ومن السيناريوات المطروحة، حلّ المشكلات العالقة على الحدود الجنوبية بما يناسب لبنان، بحيث يقول «الحزب» على سبيل المثال: «لقد حرّرنا أراضي لبنان ولذلك انسحبنا 7 كلم». أي اتفاق سيتضمّن طروحات من هذا القبيل لكي يتمكّن الأميركيون من إقناع «الحزب» بالتراجع، إذ ما يريده الإسرائيليون معروف وهو أمر واحد: إعادة المستوطنين إلى الشمال.
ويرى طباره انطلاقاً من خبرته وعمله مع الأميركيين، أنّ تسهيل انتخاب مرشح «حزب الله» لرئاسة الجمهورية لن يكون من «جملة المدفوعات»، بل إنّ «المقابل» الذي سيحصل عليه «الحزب» سيكون «وطنياً» مرتبطاً بترسيم الحدود. هذا فضلاً عن أنّ ليست هذه سياسة الأميركيين أو اهتماماتهم. حتى «الفيتوات» على أسماء معيّنة التي اشتُهروا بها تاريخياً، باتت الآن أقلّ حدّة. الأميركيون لن يخسروا شيئاً أياً تكن هوية رئيس الجمهورية اللبنانية. إهتمامهم يتركّز على الجيش اللبناني، فالمؤسسة العسكرية «خطّ أحمر» بالنسبة إلى واشنطن، والجميع يعلم ذلك. لذلك لا يتدخّل «حزب الله» في الجيش وفشلت محاولة إيران السابقة بأن يكون لها حصّة فيه عبر تسليحه. ولذلك لم يتمكّن الفرنسيون أخيراً من أن يكونوا شركاء أيضاً في دعم الجيش من دون مباركة أميركية. وبالتالي، أي جهة داخلية أو خارجية لن تتخطّى هذا «الخط الأحمر»، تماماً مثلما امتنع الاتحاد السوفياتي سابقاً عن «المسّ» بالبترول العربي لسنوات والذي كان «خطاً أحمر أميركياً» أيضاً. وهذا يكفي الأميركيين في لبنان.