كتب نذير رضا في “الشرق الاوسط:”
تمضي إسرائيل في تطبيق خطة تدمير المنازل في جنوب لبنان على طول الواجهة الحدودية، في ما يبدو أنه يهدف إلى تحويل المنطقة الحدودية ساحة مكشوفة، ودفع السكان المدنيين إلى إخلاء المنطقة بالكامل.
من يجول على المنطقة الحدودية في هذا الوقت، يلاحظ الدمار الهائل على طول الشريط الحدودي، حيث تحولت الكثير من المنازل كومة من الركام، وتقول مصادر ميدانية لـ«الشرق الأوسط» إن معظم المنازل في هذه المنطقة، لم تكن مأهولة لحظة استهدافها، وليس بالضرورة أنها عائدة إلى أشخاص ينتمون إلى «حزب الله» أو يناصرونه؛ ما يشير إلى «خطة ممنهجة لتدمير تلك المساحات المشيدة على طول الحدود، بغرض انكشافها».
وتشير الصور التي تبثها مواقع محلية في الجنوب، إلى دمار هائل في الممتلكات يرصد بعد الغارات الجوية التي لا تنقطع منذ ثلاثة أشهر، وبات الجيش الإسرائيلي يعتمد عليها بشكل أساسي في استهدافه للمنازل، بعدما كانت المدفعية في البداية السلاح الأبرز، وبعدما كانت غارات المسيرة لا تتسبب بتدمير كامل المنشآت. وإثر الغارات، تتحول المنازل ركاماً، مهما كان عدد طبقاتها؛ ما يجعل أي مشهد خلفها مكشوفاً للمواقع الإسرائيلية.
هذا المشهد، بات واقعاً بالفعل في كفركلا. يقول مصدر من البلدة زارها في الأسبوع الماضي: «إن الأحياء الداخلية تقريباً باتت مكشوفة، بعدما تم تدمير المنطقة المحيطة بها من جهة مستعمرة المطلة». ويضيف: «وسع القصف المساحة الحيوية أمام المستوطنات، وتقلص إلى حد كبير عدد المنازل القائمة قرب الشريط الحدودي، أو محاذية له.
ويتخطى عدد المنازل المدمرة بالكامل أو بشكل كبير في بلدتي العديسة وكفركلا الـ270 وحدة سكنية، حسبما تقول المصادر، ويتكرر المشهد في بليدا ويارون وميس الجبل وعيتا الشعب.
الموقع الجغرافي للبلدات الحدودية، خلق هذا الواقع الأمني. فبلدة كفركلا مثلاً، تقع على خط المواجهة المباشرة مع المطلة، ولا تبعد عن المنازل في المستعمرة الإسرائيلية أكثر من عشرات الأمتار، حيث تظهر تفاصيل حياة الناس على جانبي الحدود بشكل واضح. أما العديسة فتقع على مقابل مسكاف عام، كما تحاذي بلدة حولا مستعمر المنارة، وتقع بليدا قبالة مستعمرة يفتاح. وتعرّض الخط الممتد من كفركلا وحتى عيتا الشعب مروراً بأكثر من عشر قرى حدودية، إلى تدمير ممنهج، حيث لم تعد الغارات وقذائف المدفعية تتسبب بأضرار فقط، بل باتت تؤدي إلى كامل لها.
وتقول المصادر إن نتائج القصف الإسرائيلي «تشير إلى أن الإسرائيليين يحاولون تحويل المنطقة بالكامل منطقة مكشوفة، وإفراغ المنطقة الحدودية من السكان وإبعاد المدنيين بشكل كامل منها؛ لجعل المنطقة تشبه المستوطنات الشمالية لديهم الخالية من السكان المدنيين»، لافتة إلى «مخاوف لدى السكان من أن يكون الإسرائيليون يسعون إلى تطبيق استراتيجية فرض منطقة عازلة بالنار، أو منطقة خالية من السكان ومكشوفة أمامهم، بالنار والتدمير»؛ وذلك لأغراض أمنية تسعى إسرائيل إلى تطبيقها.
وتطالب إسرائيل عبر موفدين دوليين يحملون رسائلها إلى بيروت، بإخلاء المنطقة الحدودية من مقاتلي «حزب الله» وتراجع مقاتليه إلى مسافات تتراوح بين 7 و10 كيلومترات، وهي مساحة حيوية تحاول فيها تل أبيب ضمانة عدم انطلاق عمليات مفاجئة في حال قرر «حزب الله» اقتحام المستوطنات، كما تسعى إلى تخفيف تأثير الصواريخ الموجّهة التي يستخدمها الحزب لاستهداف مشاة وآليات ومواقع إسرائيلية، حيث يضطر إلى استخدام الصواريخ المنحنية، وهي صواريخ ذات تأثير أقل من الموجهة والمباشرة، حسبما يقول خبراء عسكريون.
وفي حين أبلغ لبنان الموفدين رفض الحزب إخلاء المنطقة، ويطالبون بتطبيق القرار 1701 من الجهتين بالتزامن، تقول وسائل إعلام إسرائيلية إن مسؤولين من المستوى الأمني في تل أبيب يتخوفون من تكرار سيناريو اقتحام مستوطنات غزة في الشمال؛ ما يوضح طبيعة الاستهدافات الإسرائيلية التي تحاول تدمير وإحراق أي شيء يمكن أن يتوارى المقاتلون فيه، وهو ما يفسر التدمير الممنهج للمنشآت المدنية، وإحراق البساتين والأحراش في الحدود بقذائف الفوسفور.
ويتوجس السكان في الجنوب من تكرار الاستراتيجية المتبعة في غزة، في منطقة جنوب لبنان، لجهة «أن يساهم التدمير الممنهج في إفقاد المنطقة سبل العيش في المستقبل؛ ما يدفهم إلى نزوح قسري في حال واصلت إسرائيل تدمير المنازل بشكل كامل، واستهداف المنشآت الصناعية والزراعية والمزارع، واستهداف المنشآت الحيوية، مثل محطات ضخ المياه ولوحات الطاقة الشمسية وشبكات الكهرباء».
ويقول السكان في الجنوب إن بعض القرى «باتت معزولة بالقصف والعتمة؛ كون شركات الصيانة لا تستطيع الوصول إلى البلدات لإصلاح أعطال الكهرباء»، أو أن الجرافات تتأخر لفتح طرقات نتيجة القصف. أما محطات ضخ المياه، فقد تضرر العشرات منها، كما تضررت مئات محطات ألواح الطاقة الشمسية على المنازل جراء القصف والاستهدافات المتواصلة.