Site icon IMLebanon

المرضى بلا دواء.. واليأس قاد بعضهم للانتحار!

كتب ريشار حرفوش في “نداء الوطن”:

لم تستثن الأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان أياً من القطاعات لتؤثر أيضاً الإضرابات الأخيرة لموظفي القطاع العام على استيراد أدوية مرضى السرطان والأمراض المستعصية، وبهذا باتت حياة هؤلاء المرضى بخطر جراء فقدانها من الأسواق أو حجبها عنهم.

قبل سنوات صدمت “ج.ص” بخبر إصابتها بمرض السرطان، لتبدأ رحلة علاج طويلة معبّدة بالآلام. ومع ذلك لم تيأس أبداً، هي التي خضعت لعمليات جراحية عدّة، وتابعت مختلف أنواع العلاجات الكيميائية المطلوبة. وبعد انتصارها الأوّل على المرض الخبيث، عاد وظهر مجدداً، لتعاود رحلة محاربته من جديد. “ج.ص” لا تواجه آلام المرض فحسب، بل أيضاً مصاعب العلاج وسبل توفير الأدوية اللازمة. وفي هذا السياق، تقول لـ”نداء الوطن”: “أفكّر دوماً كيف أؤمّن دوائي من الخارج”.

ورافضةً كشف كامل هويتها، قالت: “أخاف دوماً ألا أعثر على دواء “لينبارزا” البالغ سعره آلاف الدولارات، إذ يفترض أن أتناوله كل فترة حياتي لكي لا أسمح للسرطان بالظهور في جسمي مجدّداً”.

تضيف: “بعض النظر عن المطالب المحقّة للموظفين في القطاع العام، لا يمكن لأي مريض أن يتحمّل تداعيات انقطاع أدوية الأمراض المستعصية والسرطانية”، مناشدةً وزارة الصحة العامّة حلّ هذه المعضلة.

تابعت: “أنا مقتدرة مالياً إلى حدٍ ما وهذا الأمر يساعدني على استيراد الدواء من تركيا أو أميركا أو أستراليا، لكن ماذا بالنسبة لباقي المرضى الذين يعانون ما يعانون نتيجة انقطاع الأدوية؟”.

من جهتها، أسفت رئيسة دائرة الصيدلة في وزارة الصحة العامة الدكتورة كوليت رعيدي “لحصول أزمة مستجدّة في الدواء أدّت إلى فقدان موقّت لعدد من أدوية الأمراض السرطانية والمستعصية بسبب التأخير في عملية تسليم الدواء”، معتبرةً أن “الإضراب العام الذي نفّذه موظفو الإدارة العامة أدّى إلى تأخير إنجاز التحويلات المالية للمركزي الذي تأخر بدوره في تحويل الأموال للمستوردين، وبناء عليه، ورغم أن الأدوية موجودة في المستودعات، رفض المستوردون تسليم الأدوية إلا بعد قبض مستحقاتهم”.

وأعلنت أنه من المفترض حصول انفراجة في الأزمة المستجدة في الساعات القليلة المقبلة بعد إعادة العمل بآلية التحويلات المتفق عليها.

وأشارت الى أن “آلية الدفع المتفق عليها بين الجهات المالية الرسمية ومستوردي الدواء، تشكّل ضمانة بعدم تراكم ديون المستوردين”، مشددةً على ضرورة الاضطلاع بالمسؤولية الوطنية والإنسانية فلا تتكرّر الأزمات عند أي تطوّر بل تعطى الأولوية لمرضى السرطان والأمراض المستعصية.

أمّا نقيب الصيادلة جو سلّوم فقال لـ”نداء الوطن”: “المأساة الأكبر هي مشكلة أدوية الأمراض المستعصية ومرضى السرطان بحيث أن أكثر من 30.000 مريض سرطان وأكثر من 4000 مريض تصلّب لويحي، وآلاف المصابين بأمراض مستعصية، لا يجدون أدويتهم. وإذا توفرت تكون بصورة متقطعة (أي كل 3 أشهر على سبيل المثال لا الحصر). ومن هنا يلجأ البعض منهم الى السوق السوداء للأسف، حيث الدواء المزوّر والمهرّب والمحفوظ بطريقة خاطئة والمنتهية صلاحيته، ويكون بذلك المرضى ضحية شبكات التهريب”.

وتابع: “معاناة مرضى السرطان والأمراض المستعصية ليست وليدة اليوم، إنّما هي منذ أزمة الدعم، فكان الدواء في حينها مدعوماً بالكامل، وكان منها ما يُهرَّب الى الخارج على حساب المريض اللبناني”.

أضاف سلّوم: “مع تقليص الدعم تقلّص الدّعم أيضاً على دواء مرضى السرطان. ومن 35 مليون دولار شهرياً بات محصوراً بـ5 مليون دولار شهرياً. أي أن ما يوازي 90 % من المرضى لا يحصلون على أدويتهم”.

وقال سلّوم: “بات من الضروري نتيجة الأزمات المستفحلة، تغيير السياسة الدوائية للدولة اللبنانيّة. فبدل استيراد هكذا نوع من الأدوية عبر الشركات المستوردة، على الدولة أن تستورد العدد الفعليّ للأدوية المدعومة المطلوبة للمرضى المسجلين، مع تسجيلهم من مصادر جيدة وألا نستورد أدوية إرضاءً لأي جهة سياسية مستوردة”.

وسأل: “العدد الأكبر من مرضى السرطان لا يأخذون دواءهم، جرّاء تحويلهم الى بروتوكولات أخرى مختلفة، أو يعطى المريض دواءه العلاجي كل 5 إلى 6 أشهر للأسف، ومن لديه إمكانية مادية يشتريه على حسابه الخاص”.

أضاف: “منذ فترة قصيرة، عمد أحد مرضى التصلّب اللّويحي الذي لا يناهز عمره الـ34 ربيعاً، إلى إطلاق النار على نفسه وانتحر، نتيجة عدم تأمينه الدواء، كونه بدأ يشعر بعوارض الشلل بسبب غياب الدواء، ففضل الانتحار للأسف”.

وسأل: “هل مصير مرضى السرطان هو الانتحار؟ هل المطلوب من مرضى الأمراض المستعصية الانتحار؟”.

وتابع: “بعض الأدوية المختصة بمرضى السرطان متوفّرة بشكل غير مدعوم وبيعها شرعيّ”.

وختم بالقول إنّ “نسبة الوفيات ترتفع عند هؤلاء المرضى في لبنان نتيجة كل ما يحصل في ما خصّ أزمة استيراد الدواء”.

بدوره، يشدد نقيب مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات في لبنان النقيب جوزيف غريّب على أن “في موازنة العام 2024 هناك آلية جديدة لشراء الأدوية”.

وقال: ” نستورد أدوية للدولة اللبنانية بحدود 11 مليون دولار شهرياً، وهذه الآلية بحاجة لدفتر شروط ومناقصة لتحديد الجهة التي ستستورد”.

وتابع: “الى حين إعداد دفتر الشروط، الروتين الإداري وتأخير الفواتير وإضرابات الموظفين تؤدي الى تأخير الإفراج عن الأدوية في السوق اللبناني”.

وأشار الى أنه “ليس فقط الإضراب، إنما أيضاً المماطلة الحاصلة أخّرت توفّر الدواء في السوق لا سيما لمرضى السرطان والأمراض المستعصية”.

وكشف الى أننا “تواصلنا مع المستوردين المعنيين وبدأنا اعتباراً من اليوم الجمعة تسليم الأدوية، لا سيما أدوية السرطان وغيرها”.

وختم: “الأدوية العادية المتوفرة في الصيدليات سلّمت ومخزونها بات لـ3 و4 أشهر والتي يتراوح سعرها بين الدولار الواحد والـ100 دولار”.

مصادر وزارية في وزارة الصحة العامة أكدت لـ “نداء الوطن” أن “وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض ورغم تواجده خارج لبنان أجرى سلسلة اتصالات لتسليم الدواء للمرضى”.

وختمت المصادر عبر “نداء الوطن”: “التسليم سينجز في الساعات المقبلة وهذا الأمر سيلمسه إيجاباً المرضى قريباً”.

لبنان الذي سجل بحسب تقرير نشره “المرصد العالمي للسرطان” المنبثق عن منظمة الصحة، 28,764 ألف إصابة بمرض السرطان خلال السنوات الخمس الأخيرة، احتلّ المرتبة الأولى بين دول غربي آسيا، بعدد الإصابات قياساً بعدد السكان، ورغم ذلك لا يزال الاستهتار بصحّة مرضاه سلعة رخيصة بنظر البعض…

يبقى أن دواء السرطان بالنسبة للمرضى مسألة حياة أو موت والاستهتار بهذا الأمر يعني حكماً الانتحار!