كتب طوني فرنسيس في “نداء الوطن”:
إذا لم تحصل أعجوبة ما، فإنّ مسار الصراع الحالي في الجنوب لن يقود الّا إلى نهاية محتومة واحدة: انفجارٌ كبير وحرب إسرائيلية مدمرة وتكرار أكيد لمشاهد الغزوات السابقة من 1978 إلى 1982 إلى 2006. الاسرائيليون لا يخفون نواياهم بشأن الرد على حرب «حزب الله» المحدودة، وتتضمن تلك النوايا كل ما يمكن توقعه من تدمير وقتل وتهجير، تقدّم قرى الجنوب المنكوبة صورة مصغرة عنه. و»حزب الله» الذي افتتح الجبهة لا يخفي نواياه، الآنية على الأقل: لا وقف للنار قبل توقف الحرب في غزة. لكن غزة هي غير لبنان ومعركتها محكومة بشروط وتفاصيل أخرى، وكذلك وقف هذه المعركة.
حتى الآن يطرح الوسطاء هناك هدنة من ستة أسابيع يتخللها تبادل للأسرى وإدخال مكثف للمواد الغذائية. إسرائيل قد تقبل بهذه الصيغة، لكن «حماس» ترفضها، وهي تربط الهدنة بوقف للنار وانسحاب قوات الاحتلال من القطاع، أي عملياً عودتها إلى الإمساك بالقطاع، وهذا ما يستحيل أن تقبله إسرائيل التي وضعت على رأس جدول أعمالها القضاء نهائياً على «حماس» والخلاص من تهديدها العسكري.
تعثرت مفاوضات الهدنة في القاهرة بسبب هذا التناقض في المواقف بين طرفي الصراع . صحيفة «وول ستريت» كشفت عن تهديد قطري بطرد إسماعيل هنية إذا استمرت حركته على موقفها من المفاوضات. قد لا يكون ذلك صحيحاً، لكن مجيء مدير المخابرات الأميركية وليام بيرنز ليشرف على الاتصالات، هو بمثابة خرطوشة أخيرة قبل عتبة رمضان والسعي لإنجاز الهدنة عشيتها.
على الأرجح يصعب الوصول إلى تلك الهدنة خلال الساعات المتبقية. وستبقى الحرب مفتوحة في غزة وعدّاد الضحايا يسجل المزيد. وسيُستبدل الهدوء بجسور برية وجوية وبحرية للإغاثة يرعاها بايدن ويجعلها بديلاً. فماذا، عندها، سينتظرنا في لبنان؟
كوندوليزا رايس 2006 استُبدِلت بآموس هوكشتاين 2024، وفؤاد السنيورة بنبيه بري. الفارق أنّ السنيورة صار رمزاً للتواطؤ وحكومته بتراء، وصار بري و»حكومته» رمزاً للوطنية! هذا في التفاصيل الجانبية. أما في المضمون فإنّ مأزقاً حقيقياً يواجه «الجانب اللبناني» الذي يربط مصير البلد بمصير غزة.
هوكشتاين نفسه رفض هذا الربط وحذّر من اللعب بالنار، فليس هناك حرب محدودة أو حرب كبرى، وفي إسرائيل نشروا مضمون ورقته المكتوبة وفيها «انسحاب قوات «حزب الله» إلى ما وراء الخط المقدّر لمدى مضادات الدروع، من دون إخراج جميع عناصر الحزب بصورة تامة… حيث يقطن كثيرون منهم في القرى المتاخمة للحدود. سيتم بذل جهد لمنعهم من التنقل بالسلاح، لكن وجودهم في المنطقة لن يحظّر بصورة تامة». تشمل الورقة الأميركية أيضاً «انتشاراً معززاً للجيش إلى جانب تعزيز قوات اليونيفيل».
هذا أبرز ما في الحل الاميركي العاجل لمنع تحول التوتر في الجنوب إلى حرب أوسع. إنه بعض التنفيذ للقرار 1701 وليس كل القرار باعتباره لا يمس بالميليشيا ولا يفرض على إسرائيل تغييرات في سلوكها، وإنما يفتح الباب أمام احتمال تفاوض لاحق بين الدولة اللبنانية الموعودة والدول العبرية على قاعدة القرار واتفاقية الهدنة.
بديهي أنّ المشروع الآنف الذكر لا يمتّ إلى أوضاع غزة بصلة. فماذا سيقرر أصحاب جبهة الجنوب؟ وماذا ستقول إيران؟ خصوصاً اذا كنا لسنا بحاجة للسؤال عما ستفعله إسرائيل التي أوضحت أكثر من مرة، ونفّذت أكثر من مرة عدوانية لا تبقي حجراً على حجر.