كتب وليد شقير في “نداء الوطن”:
حتى إشعار آخر يقود إلى تغيير في المعادلة، يدير طرفا القتال الدائر في جنوب لبنان عمليات عسكرية تصعيدية مضبوطة، لأنّ كلاً منهما يتكل على عدم رغبة الآخر في توسيع الحرب.
إسرائيل تصعّد وتقصف بالعمق اللبناني، وتهدد وتتوعد متكلة على قرار إيران الذي تبلغته من الوسطاء، ومن الأميركيين، بالامتناع عن شن حرب عبر «الحزب» وفصائل مُمانِعة أخرى على إسرائيل. فـ»الحزب» يصعّد ويقصف أحياناً في العمق الإسرائيلي ويصيب في بعض الأحيان بطريقة موجعة مواقع عسكرية حساسة، يرد عليها الجيش الإسرائيلي في المقابل بطريقة موجعة وأحياناً أشد إيلاماً، تتسبب بخسائر بالمقاتلين والقيادات والأسلحة وفي البيئة المدنية الحدودية للمقاومة، فتتأنى الأخيرة بالرد على الرد…
على هذا المنوال تدرّجت المواجهات العسكرية التي افتتحها «حزب الله» منذ 8 تشرين الأول الماضي، تارة بحجة الدفاع عن لبنان وأخرى بذريعة مساندة غزة. يستحيل إضاعة البوصلة في صدد احتمالات حرب مفتوحة بين إسرائيل و»حزب الله»: قرار الدولة العبرية في هذا المجال أميركي حتى لو قيل إنّ بنيامين نتنياهو يسعى إلى توريط إدارة جو بايدن فيها، وقرار «الحزب» إيراني بقدر ضبط طهران الدقيق لأذرعها وممارستها دور توزيع الأدوار بين هؤلاء إلى أن يحين وقت التفاوض مع واشنطن.
السلوك الإيراني نتيجته انكفاء «الحشد الشعبي» في العراق والميليشيات في سوريا، عن مهاجمة القواعد الأميركية في البلدين، مقابل إفلات مغامرة الحوثيين في البحر الأحمر، والتزام «الحزب» سقف «المشاغلة» وتحمله كرمى لعيون القيادة الإيرانية، ما يتعرض له جسمه العسكري من خسائر في قياداته وكوادره، وكذلك عبء ما يصيب أهالي القرى الحدودية من خسائر كارثية. ولذلك ينوب عنهم «الحزب» بالقول إن «أبناء المناطق الحدودية يرتضون طوعاً نصرة غزة». فوظيفة الحرب المحدودة وتبادل الضربات المحسوبة بينه وبين إسرائيل تتعدى مصالح لبنان حكماً. طهران تدير الصراع تحت سقف عقد تفاهمات مع إدارة جو بايدن استباقاً لاحتمال دخول دونالد ترامب البيت الأبيض مطلع السنة المقبلة.
للمخاوف من اندلاع الحرب جنوباً بمبادرة من إسرائيل، لا سيما بعد أنباء تعثّر مفاوضات الهدنة في غزة، مشروعية بالطبع. وبالموازاة هناك من يتطلع إلى اتضاح الجهود الأميركية المكلف بها مستشار أمن الطاقة في البيت الأبيض آموس هوكشتاين، لربما تكون الأمل الوحيد لتجنب ذلك من ضمن حسابات عديدة في واشنطن.
أهم هذه الحسابات وفق هؤلاء أنّ أي حرب مفتوحة تشنها إسرائيل ضد «حزب الله» منحاها شديد التدمير، لن يكون قطاع الطاقة بمنأى عنها حكماً. يستند هؤلاء إلى ما ينقله بعض الأوساط عن هوكشتاين بأنّ أولوية مهمته هي حماية الإنجاز الذي حققه في تشرين الأول 2022 عبر الاتفاق على تحديد الحدود البحرية الذي وزع حصص الغاز اللبنانية والإسرائيلية في البحر بين تل أبيب وبيروت، في شكل يضمن تدفق الغاز من المنطقة إلى أوروبا لتعويض النقص في الغاز الروسي، جراء الحرب في أوكرانيا.
يقول هؤلاء: ربما تدرك إيران هذه الحقيقة وتراهن على أن يحول عامل أمن الطاقة دون حملة عسكرية إسرائيلية ضد «الحزب»، وعلى أن تتجنب واشنطن ما يقود إلى أن يشمل الدمار قطاع الطاقة الإسرائيلي المهم جداً بالنسبة إلى أميركا والغرب. ولذلك تبعث طهران بالرسائل في هذا الشأن عن طريق حلفائها العراقيين في «الحشد الشعبي»، الذين أطلقوا تحت مسمى «المقاومة الإسلامية»، مسيرات وصواريخ نحو حقل «كاريش» الإسرائيلي قبل منتصف كانون الثاني الماضي، ثم يوم الجمعة الماضي نحو «مصافي النفط في مدينة حيفا بالأراضي الفلسطينية المحتلة». اكتفت وسائل إعلام إسرائيلية بإعلان سماع «دوي انفجار قوي قبالة» منشآت حيفا النفطية. والقصد من إيكال المهمة للأذرع العراقية، البعيدة جغرافياً، وعدم إصابتها المصافي، الإيحاء بأن إلحاق الضرر بهذه المنشآت ممكنٌ عبر «حزب الله»، الأقرب جغرافياً، والأقدر عسكرياً على الإصابة، إذا أطلقت إسرائيل حرباً ضده… فهل يردع ذلك إسرائيل ويزخّم مساعي هوكشتاين؟