كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
ترتفع وتيرة التهديدات الإسرائيلية تجاه لبنان و»حزب الله». وتقف الدولة اللبنانية عاجزة عن القيام بأي خطوات للجم التصعيد، فالحكومة اللبنانية هي الحلقة الأضعف. ويحاول قائد الجيش العماد جوزاف عون الحفاظ على ما تبقّى من الدولة. ويستند في هذا المجال إلى مساعدات الدول الشقيقة للبنان.
تعيش السلطة الحاكمة حالة إنكار للواقع، فـ»صفر عجز» الذي تحدّث عنه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي خلال إقرار الموازنة العامة، يترافق مع غياب رؤية واضحة لطريقة الخروج من الأزمة وعدم تخصيص الاعتمادات اللازمة لمساعدة المؤسّسات الرسمية على الوقوف مجدداً.
ويواجه الجيش اللبناني تحدّيات كبيرة في هذه المرحلة المصيرية، ومع عجز الحكومة عن تأمين الاحتياجات، لجأ قائد الجيش إلى الدول الصديقة. وفي السياق عُقد اجتماع روما الأخير، واستغلّه عون لعرض احتياجات الجيش من مادية وتموينية ومحروقات وحاجات لوجستية، ووعد المجتمعون القائد بالعودة إلى بلادهم وعرض هذه الحاجات على حكوماتهم.
لم يحقّق مؤتمر روما أي خرق نوعي، ويبدو واضحاً انتظار الدول الكبرى الاتجاه الذي يسلكه الوضع جنوباً. وفي المعلومات أنّ الحاجات الأساسية من طبابة إلى دعم للأفراد والأمور اللوجستية مؤمّنة بفضل دعم الدول الكبرى، أما نقل الجيش من مرحلة إلى أخرى، ونقل الوضع الجنوبي من حالة الحرب إلى الاستقرار، فينتظر القرار السياسي الكبير.
وقد أبلغت دول فاعلة بالشأن اللبناني، وعلى رأسها قطر وبريطانيا وبالطبع الولايات المتحدة الأميركية، تأمين الدعم الكافي لإعادة النهوض بالجيش لحظة وصول المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين إلى اتفاق يضمن الأمن في جنوب لبنان وشمال إسرائيل ويُنهي كل أنواع الصدامات والحروب المتنقّلة.
وتؤكد السفيرة الأميركية ليزا جونسون موقف بلادها الاستراتيجي الداعم للجيش اللبناني وتوفير كلّ المتطلبات للقيام بمهماته، واستعداد واشنطن لتكثيف المساعدات إذا أُلقيت على كاهل الجيش مهمات إضافية في الجنوب. وتتّخذ واشنطن قراراً استراتيجياً بدعم الجيش اللبناني، ولن تؤثر نتائج الانتخابات الأميركية في الخريف على هذا الدعم، فسواء وصل رئيس ديموقراطي أم جمهوري إلى البيت الأبيض، فخطط المساعدات والاستراتيجية الأميركية المرسومة لدعم الجيش، لن تتأخر.
ولا تُعير الدول الفاعلة، وعلى رأسها أميركا وبريطانيا، اهتماماً كبيراً للانزعاج السوري من الأبراج الحدودية لأفواج الحدود، وتعتبر أن هذا الانزعاج سياسي ليس أكثر وكل تلك المسائل تُحلّ عندما تصل الأطراف المتنازعة إلى حلّ سياسي وديبلوماسي.
وتعلم الدول الكبرى أنّ الأمن في لبنان هو أمن سياسي في الدرجة الأولى، وهي لا تبدي تخوّفاً على أمن الداخل، بل الخوف ينبع ممّا قد يأتي من الحدود الجنوبية وما ستصل إليه الأوضاع هناك. وتشير المعلومات أيضاً إلى تجديد كلّ من واشنطن ولندن وباريس ودول أخرى نقل رسائل تحذير إلى بيروت، إما عبر وسطاء أو عبر سفرائها في بيروت من مغبّة تطوّر الوضع الحدوديّ نحو الأسوأ وتدحرج الأوضاع إلى حرب شاملة قد يدفع لبنان الثمن الأغلى فيها.
صار واضحاً إصرار تل أبيب على تبديل المعادلة في الجنوب، وتسعى للوصول إلى هدفها، إما بتسوية سياسية كبرى تضمن أمن شمالها وتُعيد السكان إلى المستوطنات أو بحرب شبيهة بحرب غزة، وتفضّل إسرائيل الخيار الأول، لأنه سيكون أقلّ ضرراً عليها.
تعيش المنطقة الجنوبية أياماً حاسمة، ولا يبدو أنّ هناك تسوية في القريب العاجل، وتحاول إسرائيل التهويل والتهديد والتصعيد من أجل فرض تسوية وفق شروطها، في حين سيواجه لبنان أقسى حرب في زمن الانهيار إذا لم تسارع الولايات المتحدة الأميركية للوصول إلى تسوية، وبالتالي يبقى الانتظار سيّد الموقف، ووحده الميدان يفرض إيقاعه في الوقت الحالي.