كتب عيسى يحيى في “نداء الوطن”:
لم يكد يمرّ أسبوعان على الرسالة الإسرائيلية بتوسعة رقعة الاشتباك واستهداف البقاع الشمالي في بلدتيْ عدوس وتل صفية، حتى جاء الاستهداف الثاني، وهذه المرّة بغارتين متتاليتين ليلاً وفي منطقتين متباعدتين جغرافياً، وغارتين نهاراً، ما فتح باب التساؤل عن مجريات الأمور خلال المرحلة المقبلة!
دخل البقاع الشمالي في أتون الحرب الدائرة، ووضعت إسرائيل مدنه وقراه تحت مرمى غاراتها، ورسّخت معادلة جديدة، قوامها البقاع مقابل إطلاق «حزب الله» المسيّرات واستهدافه بالصواريخ مستوطناتٍ جديدة، كون المنطقة «خزّان المقاومة» ولها أهمية عسكرية من الناحية الجغرافية وتوجد مراكز «الحزب» فيها، ما يدفع بطائرات الاستطلاع لعدم مغادرة سماء بعلبك الهرمل منذ أسابيع، والتحليق في سمائها وفوق مدنها وقراها، الأمر الذي يثير الخوف والرعب من حتمية الاستهداف.
ففي 26 شباط الفائت لم تغادر المسيّرات سماء بعلبك على مدى 48 ساعة ليشنّ بعدها الطيران الحربي غارة على منطقة سهلية – زراعية، ومنذ أيام وأصواتها تنخر آذان البقاعيين من قرى الغربي وصولاً حتى الهرمل، ليأتي الاستهداف الثاني للبقاع منتصف ليل الإثنين، حيث شنّ الطيران الحربي غارة بصاروخين على مبنى سكني في بلدة أنصار البقاعية الواقعة على مدخل بعلبك الجنوبي قرب بلدة دورس، ما أدّى إلى سقوط مصطفى الغريب، وهو لاعب كرة قدم ضمن فريق «تجمّع شباب بعلبك»، وقد صودف وجوده عند رفاق له بالقرب من المبنى المستهدف، إضافةً الى سقوط 8 جرحى نقلوا ليلاً الى مستشفى «دار الأمل الجامعي» للمعالجة. ويضمّ المبنى المؤلف من ثلاث طبقات معملاً لتعبئة الزيت النباتي، إضافة إلى طبقتين تضمّان مكاتب دائرة بعلبك في وزارة الصناعة.
وبالتوازي مع استهداف المبنى في بلدة الأنصار، شنّ الطيران الحربي غارة بصاروخين أيضاً على منطقة شمسطار غرب مدينة بعلبك في محلة غير مأهولة، من دون سقوط ضحايا، واقتصرت الأضرار على بعض المباني المجاورة ضمنها مدارس «المهدي» التابعة لـ»حزب الله».
وبفارق لا يتعدّى 12 ساعة، استكمل الطيران الحربي الإسرائيلي غاراته، وشنّ عند ساعات الظهر غارة استهدفت مبنى أيضاً مؤلفاً من ثلاث طبقات على الطريق الدولية التي تربط زحلة ببعلبك، في محلة ضهور العيرون الواقعة بين بلدتي سرعين والسفري وبالقرب من شركة الموسوي، ما أدّى أيضاً إلى سقوط اثنين وجرح عشرة أشخاص لدى مرورهم بسياراتهم، وإلى تضرر عشرات المحال قرب المبنى وفي الجهة المقابلة، وتطاير الشظايا والكتل الأسمنتية حتى مسافاتٍ بعيدة. وما كادت تصل سيارات الإسعاف وفرق الدفاع المدني و»الهيئة الصحية الإسلامية» الى المكان، حتى سجّلت غارةٌ أخرى في بلدة النبي شيت شرق مدينة بعلبك، حيث استهدفت مسيّرة إسرائيلية منزلاً صغيراً ضمن مزرعة، بالقرب من مقام الأمين العام السابق لـ»حزب الله» السيد عباس الموسوي، أدّت الى جرح شخص من دون تسجيل أي أضرار.
بسرعة البرق وخلال الغارات الأربع، تصل سيارات الإسعاف التابعة لـ»الحزب» الى المكان، تعمل على انتشال الضحايا ونقل الجرحى، بعد أن يفرض عناصره طوقاً أمنياً بمساندة الجيش اللبناني الذي يتولّى منع دخول المواطنين وخروجهم، وكذلك وسائل الإعلام.
4 غارات في غضون ساعات زنّرت خلالها إسرائيل البقاع بالنار، من أقصى غرب مدينة بعلبك حتى أبعد بلدة شرقاً، وما بينها من بلدات، في رسائل تحمل مؤشّراتٍ خطيرة على مستوى اتّساع رقعة الأهداف، إضافةً الى الدخول على خط المدنيين واستهداف الأماكن السكنية. ففي وقت ظنّ فيه الجميع أنّ الغارة الأولى التي وقعت في 26 شباط الفائت هي رسالة لا تحمل أي أبعاد على مستوى الأضرار، وكانت في منطقة سهلية مصنّفة زراعية، جاءت غارات الأمس لتؤكد أنّ المدنيين والأماكن السكنية ضمن الأهداف المقبلة.
ومساء، أعلن محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر أنّ حصيلة الغارة التي استهدفت منزلاً مهجوراً في النبي شيت ومستودعاً للسّجاد في سرعين، هي ضحيتان وستة جرحى.