جاء في “نداء الوطن”:
لم يتأخر الوقت حتى بانت خلفيات هذه التبدلات المفاجئة الأخيرة في مواقف رئيس مجلس النواب نبيه بري من الاستحقاق الرئاسي. فمن رفض مبادرة تكتل «الاعتدال» النيابي الى القبول بها، ومن إطلاق العنان مجدداً لفكرة «الحوار» الى العودة لفكرة «التشاور»، ومن رفض الإمرة لغيره الى الانفتاح على مناقشة نيابية بلا أوامر.
هذا ما كان عليه بري في بداية هذا الأسبوع، لكن هناك تتمة لهذه التبدلات في سلوك رئيس البرلمان. ومن هنا البداية.
بحسب معلومات أوساط نيابية مواكبة للاستحقاق الرئاسي تحدثت اليها «نداء الوطن»، تبيّن أنّ تكتل «الاعتدال» الذي جرى البناء على مبادرته في الاسبوعَين الماضيَين، انطلق في مهمته بدفع من الرئيس سعد الحريري الذي بعدما تشاور معه أمين سر «الاعتدال» النائب السابق هادي حبيش طلب منه التواصل مع عين التينة، قائلاً: «روح شوف بري».
وهكذا كان. وبدأت رحلة التكتل التي رافقتها تقديرات مختلفة بلغت ذروتها السبت الماضي عندما ظهر الدخان الأسود بعد اجتماع بري بوفد «الاعتدال». وبين تأكيد فشل مبادرة التكتل وبين القول إنها لا تزال على قيد الحياة، أطل بري متفائلاً على شاشة «أو تي في» التابعة لـ»التيار الوطني الحر». ولم يكتفِ بري باختيار المحطة البرتقالية منصّة لتفاؤله، إنما بعث برسالة مشفّرة الى «التيار» لم يَخفَ مضمونها على الراسخين في معرفة بري، وذلك عندما قال: «هلأ ناطر العونيين».
ماذا ينتظر رئيس مجلس النواب من «التيار»؟ تجيب الأوساط النيابية، أنّ بري حاول إخفاء ما هو أبعد من التظاهر بـ»الانتظار»، لأنه فعلياً قطع شوطاً على طريق التقاطع مع رئيس «التيار» النائب جبران باسيل من أجل اعتماد العميد السابق في الجيش جورج خوري كي يكون «المرشح الثالث»، بدلاً من رئيس «تيار المردة» الوزير السابق سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزاف عون. وأتى هذا التقاطع، وفق معلومات الأوساط نفسها، بعدما اقتنع بري بأنّ فرنجية لم يعد المرشح الذي يمكن اعتماده خارج القرار المسيحي. كما صار أيضاً على اقتناع بأنّ خوري هو الحصان المفضل الذي يمكن المراهنة على تخطيه الشوط الأخير (favori)، وهو سفير لبنان السابق لدى الفاتيكان يمتلك سجلاً من العلاقات الطيبة مع نظام الوصاية السوري عندما كان مديراً للمخابرات في عهد الرئيس أميل لحود (1998-2007)، ثم بعد رحيل الجيش السوري عام 2005 مع فريق الممانعة. وفوق كل ذلك، يحظى خوري الذي قد لا تمانع بكركي بوصوله، بترشيح باسيل.
لكل ما سبق، كان لا بدّ من إخراج ما، فكانت الحبكة في مبادرة «الاعتدال». وفي الحسابات الأولية لما جرى، سيكون بري مطمئناً، إذا كانت هناك فرصة لإجراء انتخابات رئاسية، الى أنّ هناك أكثرية مضمونة لانتخاب خوري بعد تقاطع نواب «التيار» و»الاعتدال» مع معسكر الممانعة.
وفي انتظار جلاء الخيط الأبيض الرئاسي من الخيط الأسود لهذا التقاطع الجديد، هناك «حزب الله» الذي عليه أن يتدبر أمر حليفه الزغرتاوي و»وعده الصادق» له بأنه مرشح «الحزب» ولا أحد غيره. كما سيكون على عاتق عين التينة اقناع بنشعي بهذه الاستدارة. وهناك أيضاً افرقاء آخرون سيأتي الوقت لمعرفة مواقفهم من هذه التحولات.