كتبت لوسي بارسخيان في “نداء الوطن”:
فيما أطلقت لجنة الإدارة والعدل أمس ورشتها الإصلاحية لقانون القضاء العسكري، بحضور ممثلين عن قيادة الجيش، وزارة الدفاع، وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى، بهدف مراجعة طريقة إدارتها للملفات، كُشف أنّ النقاشات التي دارت لم تخلُ من خلفيات سياسية، فرزت الآراء داخل اللجنة بين فريق يتمسك بالصلاحيات الحالية الممنوحة لهذا القضاء، وخصوصاً لجهة توسعها نحو محاكمة المدنيين، مقابل فريق آخر يصر على ضرورة المضي قدماً بالإصلاحات التي تحصر صلاحيات المحكمة العسكرية بالعسكريين والجرائم العسكرية. ما ذُكر يشكل مؤشراً إلى كون هذا الملف قد لا يسلك طريقه بسهولة إلى الهيئة العامة، وربما يستغرق وقتاً أطول من ذلك الذي استغرقه حتى الآن النقاش في إصلاح قانون القضاء الإداري، الذي حضر أيضاً على طاولة اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة الإدارة أمس، والتي تابعت النقاش برئاسة النائب جورج عقيص في الإقتراحين المقدمين من النائب أسامة سعد والنائب جورج عدوان منذ العام 2021.
تخوض لجنة الإدارة والعدل واللجنة المنبثقة عنها نقاشاتهما، وسط تفاؤل محدود بإمكانية إقرار القوانين القضائية الإصلاحية في الهيئة العامة. فالإشارات حتى الآن كما يراها عقيص «سلبية»، كاشفاً «أنّ طبيعة الملاحظات التي يقدمها البعض سياسية، ولا علاقة لها بالقانون. ويكفي أن نراقب دوران قانون القضاء العدلي بين الحكومة ومجلس النواب حتى لا نسترسل بالتفاؤل».
ومع ذلك تمضي الورشة الإصلاحية في القضاء الإداري قدماً في إقرار قانون عصري، ينظر في النزاعات المتصلة بأعمال السلطات العامة ومسؤولياتها. مع السعي لتأمين الإستقلاليّة التامة لهذا القضاء، بما يتيح مكافحة الفساد الإداري وضمان شرعية الدولة. وتدور النقاشات في اللجنة المنبثقة عن لجنة الإدارة والعدل، بحضور أصحاب الشأن من ممثلين عن مجلس شورى الدولة، وزارة العدل، نادي القضاة ونقابتي المحامين في بيروت وطرابلس. وهؤلاء أعضاء دائمون في اللجنة إلى جانب عقيص والنائبين حليمة قعقور وحسين الحاج حسن، والأطراف الأخرى المعنية بالنقاش. ويكشف عقيص في هذا الإطار «عن إصرار على إشباع قانون القضاء الإداري دراسة، بما يسمح بإقراره بمادة واحدة، تضمن إصلاحاً جذرياً لقانون مجلس شورى الدولة، لأول مرة منذ آخر تعديل طرأ عليه في سنة 2001 أي منذ 23 سنة».
إلا أنّ الأمر يصطدم بعراقيل عديدة، وأبرزها ما يرتبط بالنظام الداخلي لمجلس النواب الذي لا يسمح بالتعويض عن الجلسات الحضورية بجلسات إفتراضية، أو بعلانية هذه الجلسات. هذا في وقت يخلّف الواقع الإداري والمالي تداعياته على دينامية مجلس النواب، بما لا يتيح للجان التي تدرس المشاريع، ومن ضمنها لجنة متابعة قانون القضاء الإداري، سوى ساعة ونصف أسبوعياً، سمحت لها حتى الآن بإنهاء دراسة 200 مادة بلغت معها نصف الطريق، علماً أنّ الملف مفتوح أمامها منذ تموز سنة 2022.
عدّ المواد هنا يستند إلى الإقتراح المقدم من النائب جورج عدوان بالتعاون مع رئيس مجلس شورى الدولة فادي الياس. هذا الأمر يشتمّ فيه فريق «إئتلاف استقلال القضاء» و»المفكرة القانونية» تهميشاً لإقتراحه الأول المقدم في شهر آذار من العام 2021 بواسطة النائب أسامة سعد، حتى لو جاء تبرير اللجنة التي تقوم بقراءة الإقتراحين، بأنّ «اقتراح عدوان محضّر من قبل مجلس شورى الدولة، بعملية تشاركية في صياغته من قبل قضاته. وأنّ إعتماد الترقيم والتسلسل المتبع في الاقتراح، لا يعني إسقاط المواد التي تحمل ميزة تفاضلية بالإقتراح المقدم من النائب سعد، أو تكون أوضح أو أفضل من اقتراح عدوان».
هذا في وقت يسجل الفريق الذي أعد اقتراح سعد تحفّظه على طلب وزارة العدل مشورة «لجنة البندقية» حول إقتراح عدوان فقط وتجاهله الإقتراح الأول. والمعلوم أن «لجنة البندقية» تعد جهازاً استشارياً محايداً يتبع للإتحاد الأوروبي، ويضم متخصصين حول العالم بمجال السلطة القضائية. وبعد إجتماع أوّل إفتراضي عقد مع أعضاء هذه اللجنة في شهر شباط الماضي، سيشارك عقيص ووزير العدل في الجمعية العمومية التي تعقدها اللجنة لمتابعة النقاش بالإقتراح الذي يدرس حول قانون إستقلالية القضاء الإداري، وذلك بعد سابقة في إشراك «لجنة البندقية» في حزيران 2022 بمناقشة إقتراح قانون إستقلالية القضاء العدلي، إنتهت إلى عدم الأخذ بتوصياتها غير الملزمة.