Site icon IMLebanon

هل انتقل نموذج مدارس المهدي إلى غبالة الكسروانيّة؟

كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:

مايا زيادة (الأخت) قالت ما قالته وأقفلت «الموبايل» لتُصبح «تراند» على صفحات السوشيل ميديا. قد تكون «تحمست أكثر من اللازم» كما ورد في بيان إدارة المدرسة. وقد تكون وقعت في فخٍّ نُصب منذ أيام فلاديمير لينين تحت مفهوم Idiot Useful أي المغفّل المفيد. وقد تكون لخبطت بين الصلاة والإيمان المسيحي والشعور مع الأطفال والأمهات وأهلنا في الجنوب وبين دفع الصغار إلى الصلاة لـ «المقاومة» التي تقحم البلاد والعباد في حروب يفترض أن نكون في منأى عنها. مايا زيادة تحمست وقالت ما قالته فهل يمكن القول إن كنيستنا تُنخر من الداخل بأفكارٍ تعمل عن قصد أو عن سهو بغسل أدمغة الصغار؟ وهل مدارسنا المسيحية أصبحت متقدمة، كما مدارس المهدي والمصطفى- على سبيل المثال لا الحصر- بحشو أدمغة الأطفال بأفكارٍ فيها خلاف واختلاف داخلي عميق؟
نجح «حزب الله» على مرّ الأعوام، في تحويل مدارسه الى مصنع يعزّز ثقافات في أذهان الطلاب ليست من ثقافتنا. هناك، يجلس الطلاب على مقاعدهم وعيونهم شاخصة نحو شيخ يتصرف وكأنه «الولي الفقيه» ينادي على الطلاب بأسمائهم فيقفون تباعا ويهتفون: شهيد. شهيد لا حاضر. من هنا تبدأ الحكاية.

في الأمس، بدا مشهداً يقترب من ذاك المشهد. طلابٌ، صغار جداً، محشورون وقوفاً في قاعة وبدل أن يسمعوا دروس مفهوم الدولة اللبنانية والنشيد الوطني اللبناني: كلنا للوطن للعلى للعلم. سمعوا «أخت» تتكلم بنبرة عالية كلاماً من شقين. شقّ كلنا معه ولا يمكن لأحد ان يزايد في الموضوع وفيه: اليوم بدنا نصلي للجنوب وأطفال الجنوب وأمهات الجنوب وأهلنا في الجنوب. وشقّ آخر لخبط كل الموضوع وفيه: بدنا نصلي لرجال… لرجال المقاومة الذين يحمون الوطن. هي كررت كلمة رجال مرتين، وكأنها تفكّر في ما تقول مرتين، وتابعت: نصلي لرجال المقاومة الذين يحمون الوطن. هي بذلك قررت منفردة أن تضع في أذهان الأطفال أن من يحمي الوطن هم رجال المقاومة. هو كلامٌ يستحيل في أي دولة ومنطق، فكيف في مدرسة ذات إسم مسيحي «الحبل بلا دنس» القبول به، في بلدٍ نصف ناسه يعتبرون أن ما تسمى بالمقاومة الإسلامية تعمل لمصالح أبعد بكثير من لبنان الوطن.

لا، لم ينزعج المسيحيون لأنها نادت بالمحبة والصلاة الى أهلنا في الجنوب الذين هم مسيحيون ومسلمون، بل لذكرها بلهجة الأمر: فلنصلِ لرجال المقاومة. وأردفت ذلك بالقول: وقولوا soeur مايا قالت. وكأنها كانت تعرف تماماً أن ما قالته يُشكّل زوبعة في بلدٍ هناك من يريد أن يأخذه منفرداً الى مكانٍ لا يريده. تهمة زيادة تلك أنها أرادت أن تجعل أطفالاً يصلون لـ «رجال» يهتفون: لبيك خميني. هذا هو لبّ الإشكال الذي حصل.
ما رأي الأستاذ في الأدب العربي والفكر الإسلامي الدكتور كمال اليازجي بكل ما سمعناه؟ هو لم يتوقف ملياً عند هذا الموضوع معتبراً إياه صدر- وقد يصدر- عن أشخاص حشريين يقحمون سواهم لا سيما الأطفال – في ما ليس لهم فيه لا ناقة ولا جمل. فالأخت غرّدت خارج السرب. فالكنيسة تدعو الى الصلاة وبعمق لأهلنا في الجنوب لكنها تطالب بالحياد عن كل ما يحصل من حروب خارجية يقحمون بها الناس. التألم مع الضحايا شيء والدعوة الى الصلاة لمن أقحمونا في المشهد المؤلم شيء آخر. ما حصل هو أشبه بالذمية المسيحية لا التعاليم المسيحية».

ترافق ما حصل مع هرج ومرج. كثيرون سارعوا الى الدفاع عن زيادة والكثير من هؤلاء فعلوا ذلك لغرضٍ في نفس يعقوب ليُصبح التعاطف مع الأخت «تراند» وهم بذلك يطبقون نظرية فلاديمير لينين، المنظّر الأساسي للثورة البلشفية، ومؤسس الدولة السوفياتية. هو، كان يسمع مثل هذا الكلام، الذي يخدم الثورة الشيوعية، من أناس في الغرب فيقهقه مردداً: إنهم المغفلون المفيدون idiot useful وبتفسير أدق هم حمقى يمكن الإستفادة منهم. ويتذكر اليازجي هنا أحد الملفات لأحد الضباط الذي تُرك في حينها في وظيفته وكُتب على غلاف ملفه: لا تطردوه هو أهبل يمكن الإستفادة منه».

المسيحيون الحقّ يعرفون عما تكلم عنه اليازجي وسواه. جبران باسيل، رئيس التيار العوني، «زقزق» على منصة أكس: أن تطلب الأخت مايا زيادة من تلامذتها الصلاة للجنوب إنما هي تطبق تعاليم السيّد المسيح». أضاف: «شهداؤنا في الجنوب هم شهداء لبنانيون رغم معارضتنا لشعار: شهداء على طريق القدس». وأرفق ما كتب بهاشتاغ: «كل التقدير والتضامن لها». من قرأ جيدا ما كتب باسيل أدرك أنه أراد أن يستفيد، مثله مثل لينين، مما قيل، قبل أن يسقط بعبارة: رغم معارضتنا لشعار: شهداء على طريق القدس. هذا الشعار هو بيت القصيد الذي دفع من سمع كلام زيادة ينتفض. لكن لباسيل حسابات بيدر مختلفة.

ما رأي رئيس المجلس الكاثوليكي للإعلام عبدو أبو كسم الذي كان شاهداً على مواقف الكنيسة من أفعال «حزب الله» وحروبه؟ يجيب: «نحن مع منطق التضامن مع أطفال الجنوب. هذه لفتة فيها محبة. إنها لغة مسيحية لكن، ما أثار حفيظة البعض أمران: كلامها عن «المقاومة الإسلامية» التي إذا لم نتضامن معها فهذه خيانة. هي تُخوّن الناس أمام أطفال عزّل إلا من براءتهم. لا دخل لهم بمفهوم المقاومة والتخوين». ويستطرد: «الكنيسة ضدّ الحرب بالمطلق. أما المآسي التي تنتج عن الحرب فكلنا نتعاطف معها. وهناك مسيحيون يدفعون ثمنها. لكن، الإطار الذي تكلمت فيه ليس مناسباً أبداً. إنها في مدرسة. أمام أطفال. وسبق وقالت بكركي والكنيسة والمطارنة الموارنة رأيهم ضدّ الحرب. نحن نقول إن كل إنسان يدافع عن أرضه وعرضه وممتلكاته ومات هو شهيد. إبن الجنوب شهيد وابن الأشرفية شهيد».

صحيح ذلك، لكن لا بُدّ من السؤال: هل يعتبر «حزب الله» أن بشير الجميل، فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية شهيداً؟ هل تعترف مدارس المهدي بشهداء المقاومة اللبنانية؟ هل يصلون لهم في مدارسهم؟ ماذا عمَن قُتلوا والتهم في قتلهم موجهة الى «حزب الله»؟ أسئلة أسئلة تخطر في بال الكثيرين ممن سمعوا كلام زيادة الى الأخير. فلنصلِ الى من يدفعون فاتورة الحروب في الجنوب، وفي البقاع أيضاً، ومن قد يدفعونها في كل لبنان لكن، لماذا يُقحم ذكر عناصر «حزب الله» في رسالة يفترض أنها مليئة فقط بالحبّ والصلاة؟

الباحث جو حتي يتابع كل ما يحصل ويقول: تاريخياً إنتصر المسيحيون لأن الرهبانيات كانت معنا. وكل من يناصرون الحقّ يفترض أن يكونوا واعين للجانب اللاهوتي والمعنوي. ما حصل أمر حساس للغاية لأنه أشّر الى تسلل «حزب الله» الى داخل الكنيسة. ثمة أحداث عديدة تدل الى هيمنة تمارس بحق المسيحيين في لبنان. فها قد وضعوا على رأس دير سيدة النجاة في بصرما في الشمال شخصاً يواليهم. نحن نستشعر في ما حصل في مدرسة الحبل بلا دنس في غبالة بأننا أمام اهل ذمة جدد واستعادة لعبارات من نوع: أشمل. شعرنا وكأننا أمام حالة نفسية من نوع ستوكهولهم حيث تعتاد الضحيّة على وجود المعنّف وتبدأ في الدفاع عنه. ويستطرد: الكنيسة يفترض أن تتصدى لا أن تتراخى. مدرسة عبرين التاريخية (في قضاء البترون) التي أسسها البطريرك الياس الحويك (لديها فرع في زحلة – مجدليا) أصبحت بيد الحزب السوري القومي عبر أسعد السبعلي وجوسلين داغر. أتتصورون؟ لا تملك قياداتنا الروحية والسياسية رؤية أو إستراتيجية. هي تصرخ حين تتلقى صفعة ولا تلبث أن تعود وتسكت. وهناك 680 شقة وعقاراً في جبيل بيعت الى شيعة في العام 2022 من اجل فصل الجبل المسيحي عن منطقة جبال لبنان الغربية. وكلنا سمعنا ما حصل الصيف الماضي على تلة الشهداء في بشري وفي جرود تنورين وضهر البيدر. هناك، على مسافة قريبة، بعد حاجز الجيش في عيون السيمان معسكرلـ «حزب الله». كل ذلك يؤسس لصدامات في المستقبل ولا استراتيجيات عند المسيحيين حيال ذلك. وإذا تكلم أحدهم يقولون عنه: العميل. وما سمعناه من مايا زيادة في غبالة، سواء أتى عن قصد أو سهواً، يكمل استراتيجية حزب الله».

يتكلم الباحث جو حتي بألمٍ عن المشهد العام في البلاد، منطلقاً من آخر حادثة رأيناها في مدرسة غبالة. المدرسة مجانية وتضم عدداً كبيراً من الطلاب الشيعة. لكن، هذا ليس معناه أن تتكلم «الأخت» بعكس لسان حال الكنيسة تجاه الحروب العبثية «لأن أولادنا خط أحمر» كما قال حتي مضيفاً: «ثمة قواعد ثلاث للبقاء، وعدم السماح بالخرق، هي بكركي والرهبانيات والمقاومة المسيحية».

فلنصلِ جميعاً للجنوب وأهله. أهل الجنوب أهلنا. لكن ليست هنا كل القصّة. نعود الى الأب عبدو أبو كسم. يقول: «الإلتباس في الموضوع طبيعي نظراً لوجود أفكار مختلفة وإيديولوجيات. وبالتالي هناك فئة لا تتضامن مع تدخل طرف معيّن، غير شرعي، في الحرب، وفي حال لم تتضامن لا يجوز تخوينها. هذا حقها».

ماذا بعد؟ يدافع الكثيرون عن مايا زيادة. هي إبنة شحتول. ليست في ملاك مدرسة غبالة. هي أخطأت؟ لا يهم. الأهم، أن الأخت مايا زيادة هي مسكينة. تحدثت في الشقّ الأول من خطابٍ ألقته أمام أطفال المدرسة عن المحبة والصلوات. ممتاز. لكنها ما لبثت أن إستفاضت بمشاعرٍ لديها كما متلازمة ستوكهولم. كثيرون أرسلوا لها كل التقدير؟ ممتاز. هذا ما كان يفعله لينين أيام زمان. فالمغفل المفيد له دور كبير في الإستراتيجيات.