كتب منير الربيع في “المدن”:
هل يسير لبنان على خطى سوريا؟ تتجمع الدوافع وراء السؤال، في ظل تراكم المؤشرات التي تقدّم الإجابة عليه، وهي الاستباحة الإسرائيلية لكل قواعد الاشتباك من خلال توسيع النطاق الجغرافي للعمليات، وفرض قواعد اشتباك جديدة، قوامها أن لا منطقة محرمة في لبنان. وهناك قدرة اسرائيلية على توجيه ضربات في مختلف المناطق. أما ما يتبقى من القواعد القديمة للاشتباك، فهي حتى الآن الإبقاء على استهداف المواقع العسكرية وعدم توسيع الحرب بشكل شامل، من خلال استهداف مؤسسات مدنية أو مرافق عامة.
أمام الإصرار الإسرائيلي-الأميركي على فصل جبهة لبنان عن غزة، وهو ما لم يتحقق حتى الآن، في ظل تمسك حزب الله بمعادلة وقف النار في القطاع لوقفه في الجنوب. تواصل تل أبيب ممارسة كل أنواع الضغوط، لإنتاج معادلة لبنانية شبيهة بمعادلتها السورية. فمنذ سنوات استباحت إسرائيل الأجواء السورية بتوجيه ضربات متعددة ضد مواقع وأهداف عسكرية واستراتيجية، وعمليات اغتيال للإيرانيين ولعناصر حزب الله. فإلى جانب هذه العمليات، تسعى إسرائيل إلى تحييد النظام السوري عن استهدافاتها، وصولاً إلى لحظة اندلاع عملية طوفان الأقصى، حين تم ايصال رسائل واضحة لدمشق تتضمن تهديدات، بأنه في حال انخرط النظام السوري بأي عمليات، فإن الرد سيطاله بشكل مباشر وسيطال مرافقه ومؤسساته. التزم النظام الحياد، فيما تركزت الضربات على مواقع الإيرانيين والحزب.
هذا النموذج يسعى الإسرائيليون إلى فرضه في لبنان، من خلال تركيز ضرباتهم على مواقع حزب الله، من دون توجيه ضربات تستهدف المرافق اللبنانية العامة. وبذلك تستمر إسرائيل بعملياتها من دون أن يستدعي الأمر عمليات واسعة في المقابل أو حرب واسعة. وهكذا تتجنب إسرائيل أي ضغوط دولية تفرض عليها وقف النار، في حال كانت العمليات تستهدف مرافق الدولة اللبنانية أو مصالح الشعب اللبناني.
بهذا النموذج من العمليات، تحضر إسرائيل لإطالة أمد عملياتها العسكرية والأمنية على الساحة اللبنانية. وهذا سينتج عنه معادلة واضحة شبيهة بالمعادلة السورية. إذ تستهدف القوات الإسرائيلية أي شحنة أسلحة أو مركز وتلجأ بين فترة وأخرى لتنفيذ عمليات اغتيال. وهذا ما ينسحب على لبنان أيضاً منذ أحداث 7 تشرين الأول وصولاً إلى اليوم. وعلى ما يبدو، فإنه سيبقى قابلاً للتطور.
قبل سنوات رفع أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله معادلة أن أي استهداف اسرائيلي لأحد كوادر أو مسؤولي الحزب في سوريا سيقابل بردّ عنيف. لكن اسرائيل عملت على خرق هذه المعادلة. وهو ما تكرر إزاء المعادلات التي رفعها نصرالله في لبنان حول استهداف أي قيادي في محور المقاومة. فلجأت إسرائيل إلى كسر القاعدة باغتيال صالح العاروري، ليرد حزب الله على هذه العمليات، إنما أدرج نطاق الرد في سياق أن القواعد تغيرت طالما أن المواجهة مفتوحة.
ما تسعى إليه إسرائيل حالياً هو المحاولة لكسر كل القواعد، إلا أن أي ضربة توجهها في العمق يرد عليها حزب الله بضربات متنوعة، بعضها يتضمن إطلاق عشرات الصواريخ، إلا أن ذلك يبقي اسرائيل في حالة تعايش مع نزعة التفوق التقني والعسكري والمعلوماتي لديها. فهي توجه ضربات إلى كوادر أو مواقع أساسية غير مكشوفة، بينما الحزب يوجه ضربات لمواقع عسكرية معروفة.
أمام كل هذه الوقائع، هناك توقعات بأن تكون هذه العمليات الإسرائيلية مستمرة وطويلة الأمد، من خلال استهداف مواقع عديدة للحزب في مناطق مختلفة، بانتظار الوصول إلى صيغة حل قد يكون متأخراً جداً. أما في المقابل، فهناك من يرتفع منسوب التخوف لديه من أن يكون اتساع مروحة نطاق الاشتباك والضربات هو عنصر تمهيدي لانفلات الأمور نحو حرب أوسع في المرحلة المقبلة.