كتبت زينب حمود في “الاخبار”:
20% هي نسبة الزواج بين القاصرين والقاصرات اللبنانيين (دون 18 عاماً)، معظمهم من الإناث (87%). وهي أرقام صادمة مقارنة بنسبة 6% من القاصرات اللبنانيات تزوّجن قبل بلوغهنّ سنّ الـ 18، وفق تقرير لليونسيف عام 2016.الدراسة التي أعدّها «التجمع النسائي الديموقراطي اللبناني» العام الماضي ونشر نتائجها أمس، شملت استطلاع رأي 1300 شخص من الجنسين من جميع المحافظات، لبنانيين وسوريين وفلسطينيين. وبيّنت أن 20% تزوّجوا في سنّ 18 عاماً أو ما دون، وأظهرت تراجع سنّ الزواج إلى معدلات متدنّية أكثر لدى الإناث، لافتة إلى أن 10% من اللواتي شملتهن الدراسة تزوّجن بين الـ 13 والـ 15 عاماً. وسجلت بعلبك ـــ الهرمل أعلى نسبة حالات زواج مبكر، فيما سُجّلت النسبة الأدنى في بيروت.
وتظهر «آفة» الزواج المبكر بوضوح في أوساط اللاجئين السوريين الذين سجلوا النسبة الأعلى (45%)، يليهم اللبنانيون (36%)، أي ما نسبته 20% من اللبنانيين الذين شملهم الاستطلاع. وتصدّرت السوريات لائحة الطالبات غير الملتحقات بالمدرسة (80%)، بسبب ظروف الحياة الصعبة في المخيمات، ولا سيما الظروف الأمنية «التي تشكل عاملاً مشجعاً على الزواج»، بالنسبة إلى 46% ممّن شملتهم الدراسة، إلى جانب «الظروف المعيشية المؤثرة على أمن الأطفال» بحسب 59% منهم.
وفي غياب أيّ إحصاء رسمي شامل لزواج القاصرات، تأتي هذه الدراسة لتدعّم وجهة النظر الرامية إلى إقرار قانون يجرّم تزويج الفتيات دون 18 عاماً. وهو ما يستعجله عضو لجنة المرأة والطفل النيابية أنطوان حبشي «ولو لم تتوفّر الأرضية الثقافية المناسبة، لوضع حدّ لهذه الجريمة التي تحمل انعكاسات اجتماعية واقتصادية ترتبط بضعضعة العائلات وإجهاض طاقات لم تتبلور بعد، من خلال تزويجها وحرمانها من التعليم ودخول ميدان العمل»، كما قال خلال مشاركته في حفل إطلاق الدراسة الذي نظّمه «التجمع النسائي الديموقراطي اللبناني» في بيروت أمس.
وجاءت الدراسة أيضاً عقب تحريك ملف زواج القاصرات في «حلبة التشريع»، وإقرار لجنة حقوق الإنسان النيابية، في 7 أيلول الماضي، اقتراح قانون «حماية الأطفال من التزويج المبكر» الذي قدّمه النائبان حبشي وجورج عقيص، علماً أنّ الطريق غير معبدة أمام اقتراح القانون الذي سيمرّ على لجنتَي المرأة والطفل والإدارة والعدل لمناقشته قبل عرضه على الهيئة العامة لمجلس النواب. لذلك، دعا عقيص الجمعيات الحقوقية إلى «زيادة الضغط لأن القانون قاب قوسين أو أدنى من إقراره»، ووعد بأن «أتقدم الأسبوع المقبل بطلب خطّي بتحويله إلى اللجان النيابية المشتركة مباشرة تفادياً للعراقيل التي سيضعها بعض النواب أثناء مناقشته».
وقد صوّر الحضور، أمس، مسألة زواج القاصرات على أنها صراع ديني – مدني، وشدّ حبال الدستور بين أنصار المادة التاسعة التي تنصّ على حرية المعتقد واحترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية، وبين أنصار المادة السابعة التي تنص على المساواة في الحقوق المدنية والسياسية وتحيل إلى ضرورة إقرار قانون مدني يحقق المساواة في الأحوال الشخصية يحترم الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها لبنان، ولا سيما «اتفاقية حقوق الطفل» و«اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة». وفيما حمّل الحضور المرجعيات الدينية مسؤولية الوقوف في وجه إقرار القانون، انقسمت الآراء بين من يدعو إلى تخطّيها باعتبار أن العلاقة ينبغي أن تكون مع الدولة مباشرة، و«لأن فتح نقاش مع المرجعيات حول تزويج القاصرات يشبه دخول وكر دبابير»، وبين من أكد أن لا سبيل لتجريم تزويج القاصرات من دون محاورة المرجعيات الدينية وموافقتها. وبعدما شدد عقيص على «عرقلة فئة من النواب تمثل هذه المرجعيات في المجلس النيابي إقرار قانون يجرّم تزويج القاصرات»، طالبت الجمعيات بتسمية الكتل النيابية المعارضة لأن «هناك نواباً يساعدوننا في العلن ويصوّتون ضد القانون في الغرف المغلقة».
وتحدث المجتمعون عن عوامل مشجعة على الزواج المبكر، اقتصادية واجتماعية، وثقافية، وأمنية، من بينها وجود القاصرين في بيئة تعرّضهم للتحرش أو للاغتصاب وتراجع المستوى التعليمي والثقافي، ولا سيما في القرى والمناطق النائية، حيث أظهرت الدراسة نفسها، مثلاً، افتقار من شملهم الاستطلاع إلى فهم واضح للإطار القانوني المتعلق بالزواج المبكر، إذ أعرب 56% منهم عن عدم درايتهم بالقوانين، وأظهر الباقون جهلاً بالقوانين اللبنانية.
واعتبرت الاختصاصية الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية ريما بربر أن زواج القاصرات «لا ينفصل عن قضايا أخرى مثل التسرّب المدرسي ومكتومي القيد وأطفال الشوارع والمتسولين»، فيما ذكّرت رئيسة دائرة صحة الأم والطفل في وزارة الصحة باميلا زغيب بالآراء العلمية حول مخاطر الزواج المبكر الذي «يشكل سبباً أساسياً للوفيات عند الأمهات، ربطاً بالولادات المبكرة، وارتفاع ضغط الدم الناجم عنه». وأشارت إلى «دراسة أعدّتها الوزارة، لم تنشر بعد، تظهر ارتفاع معدّلات الوفيات عموماً بين الفتيات دون 18، وقد يكون الزواج المبكر أحد مسبّبات ذلك».