كتبت لوسي بارسخيان في “نداء الوطن”:
تفاقمت في الآونة الأخيرة أزمة الطوابع المالية التي تشكّل وسيلة تستوفي من خلالها الدولة رسومها الرسمية، بما طرح النقاش للمرة الأولى حول ضرورة التوجه للبدائل الأكثر إنسجاماً مع متطلبات العصر وموارده المتاحة.
ومع أنّ الجهات الرسمية تتجنب حتى الآن إتخاذ خطوة التخلي عن الطوابع الورقية، إلا أنّ هذا المطلب بات يُطرح على مستوى النقاشات الرسمية كأحد البديهيات التي كان يفترض أن تتوجه إليها الدولة، حتى لو لم تكن تعاني أزمة مالية أعاقت إمداد السوق بالكميات التي يحتاجها من الطوابع منذ سنة 2019 وحتى اليوم… لتحضر هذه الإشكالية على طاولة لجنة الدفاع الوطني والداخلية والبلديات التي اجتمع نوابها أمس برئاسة رئيس اللجنة النائب جهاد الصمد وحضور مدير عام الأحوال الشخصية، مدير عام وزارة المالية ومدير الخزينة في وزارة المالية، من دون أن يخرج المجتمعون بتصور للحل. وذلك، بإنتظار أن ينجز المدراء الذين هم على تماس مباشر مع هذه المشكلة «دراسة مفصلة حول الأزمة، المشاكل المترتبة عنها، وإقتراحات الحلول التي يرونها»، على أن توضع اللجنة بتفاصيلها قبل إجتماعها المقبل الذي توقعه الصمد خلال أسبوعين.
وكان نقاش اللجنة قد توسّع للتطرق إلى مواد الموازنة العامة المتعلقة بالطوابع والتي قام المجلس الدستوري بتعليقها بناء لطعون مقدمة من النواب، ما أبقى هذه الطوابع خاضعة للتسعيرة السابقة لتاريخ إقرار الموازنة، وبالتالي إمتص جزءاً من الإعتراضات التي أثيرت حولها على مستوى المواطنين. إلا أنّ الأبرز هو ما عرضه أعضاء اللجنة عن عمليات إبتزاز يومية يتعرّض لها المواطنون جراء النقص في كميات الطوابع المطروحة في السوق، وإستحكام عدد من تجار السوق السوداء بالكميات المتوفرة منها.
وفقاً لمتابعين للملف أمّن نقص الطوابع ظروف النهب المنظم للمواطنين، بعد أن حوّلت حالة الفوضى حتى بعض الباعة المجازين تجاراً لهذه الطوابع، يتلاعبون بأسعارها طبقاً لكمياتها المتوفرة في السوق، وأحيانا بالتواطؤ مع أمناء الصناديق في الإدارات العامة وبعض المؤسسات المتعاقدة معها، ما يكبّد المواطنين أكلافاً إضافية لمعاملاتهم الرسمية.
طرحت هذه الإشكالية في لجنة الدفاع مع الإشارة إلى حلول تم إقتراحها سابقاً، وخلصت إلى تضمين المادة 21 من قانون الرسم المالي المعدلة بموجب قانون نافذ حمل الرقم 102022، بما يسمح بتداول الطوابع المالية الإلكترونية e-stamp إلى جانب الطوابع الورقية، على أن يتم الإستحصال عليها من آلات خاصة يتم ترخيص تركيبها وأصول إستخدامها وشكل الطوابع ومواصفاتها، بموجب قرار يصدر عن وزير المالية. إلا أنّ تطبيق هذا المرسوم يبدو أنه إصطدم منذ العام 2022 وحتى اليوم، بغياب المكننة في معظم الدوائر الرسمية، ما جعل من الدولة العاجزة عن طباعة الطوابع وتأمينها بالأعداد الكافية، غير مؤهلة لتنفيذ هذه المهمة.
ينظر معظم النواب الذين يتابعون هذا الملف إلى الطابع الإلكتروني كحل جذري نهائي يجنب المواطنين حتى تلك الرسوم الإضافية التي يضطرون لتسديدها لدى إنجاز معاملاتهم بواسطة مؤسسات تحويل الأموال. إلا أنّ هذا الأمر وفقاً للنائب رازي الحاج الذي يتابع الملف من خارج لجنة الدفاع والبلديات، يحتاج إلى تشريعات إضافية وإتخاذ خطوات لوجستية مهمة للسير به. وحتى يتحقق ذلك يبدو الحل الأكثر قابلية للتنفيذ في تأمين آلات الوسم الإلكترونية، والتي بدأ إعتمادها في بعض دوائر وزارة المالية، ويحتاج تعميمها على سائر الدوائر إلى إطلاق مناقصة لتأمين هذه الآلات. مع الإشارة إلى تلقي الدولة عرضاً غير رسمي بتوفير هبة مالية لتغطية أكلافها. وهذا ما يظهر حقيقة المشكلة المتمثلة في عدم توفر الإرادة السياسية بتطبيق الإصلاحات المطلوبة.
إلا أنه حتى الآن لم يتكشف للجنة الدفاع أي حل واقعي يمكن أن تلجأ إليه السلطات المعنية، بل ربط رئيسها خريطة الطريق باتجاه هذا الحل، بإعداد تقرير علمي ينطلق من تحديد المشكلة وحجمها، إلى إقتراحات العلاجات الممكنة. وهذا ما سيجعل الأزمة مفتوحة على أيام وربما أسابيع إضافية، تستنزف خلالها مقدرات المواطنين، لتمتلئ جيوب تجار الأزمات، وحتى لو كان ذلك على حساب الدولة وماليتها المتهالكة.