كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
لم يسلم قطاع البناء من الحرب، فالخسائر التي لحقت به لا تقلّ عن القطاعات الأخرى. القطاع الذي كان يشهد أزمة كبيرة بعد 17 تشرين الأوّل 2019، أتى 7 تشرين الأوّل 2023، للقضاء عليه نهائياً. توقّفت الحركة بنسبة كبيرة في منطقة النبطية، أمر أشار إليه رئيس مكتب نقابة المهندسين في محافظة النبطية المهندس حاتم غبريس، الذي قال إنّ «النقابة كانت تعتمد في معاملاتها على أقضية بنت جبيل ومرجعيون وحاصبيا، حيث كانت تشكل 40 في المئة من إجمالي عمل نقابة المهندسين في كل لبنان».
هذه الطفرة، خسرتها النقابة بعد «7 أكتوبر»، تراجعت الأعمال بنسبة ثلاثة أرباع حجمها وفق غبريس. ولفت إلى أن تقلّص المساحات انعكس على الاستثمار العمراني، على عكس الفورة العمرانية في قرى بنت جبيل ومرجعيون وحاصبيا، ومع ذلك، فإنّ «ربع العمل المخصّص للنبطية، انخفض كثيراً، وصل إلى حدّ النصف تقريباً، وهذا التراجع منطقي بالنظر إلى تداعيات الحرب الدائرة في قرى الجنوب الأمامية».
حالياً، لا يلامس حجم أعمال النقابة الـ15% من قيمة أعمال القطاع، وسط تخوّف أي رجل أعمال أو مستثمر من الاستثمار. ورأى غبريس أنّه «وسط الحرب يُحجم أيّ متعهّد أو مستثمر عن توظيف رأسماله في البناء، يفضّل إبقاء ماله في جيبه، في ظلّ تعثّر الوصول إلى وقف إطلاق النار، وضبابية مصير الحرب والمعارك الدائرة». لم يقتصر تأثير الحرب على قطاع البناء وحسب، فحتى شراء العقارات ونقل الملكية وكل ما يتعلّق بهذا القطاع بات «مشلولاً».
لا يخفي أحد حجم الدمار الذي حلّ بالقرى الحدوديّة جرّاء الأسلحة المدمّرة والفتّاكة التي تستخدمها إسرائيل في عدوانها على الجنوب. وقدّر غبريس الخسائر «بمليارات الدولارات، فقط في قطاع البناء، عدا عن خسائر القطاعات الإنتاجية والحيوية الأخرى».
عادة، يعتمد المهندسون على الحركة العمرانية في معيشتهم، حالياً، يقف هؤلاء بلا أفق، حيث سُجّلت نسبة هجرة جديدة في صفوفهم تجاوزت الـ20 في المئة، وصفها غبريس «بالخطيرة، لكنّها ضرورية لهم للبحث عن فرص عمل أفضل لهم».
حين يُلقى «كيس الأسمنت» في جبّالة الباطون تتحرّك الدورة الاقتصادية، فيتحرّك المهندس، المسّاح والورّاق، السنكري والبلّاط، والنجّار وكل المهن الحرّة المرتبطة به. وإذا توقف، تنكسر الحلقة الاقتصادية والإنتاجية. إلى ذلك، يعقّب غبريس بالقول إنّ «قطاع المهندسين تأثر كثيراً بالأمر، أعماله متوقفة، وإيراداته جامدة، كان يعاني من سرقة أمواله في المصارف، اليوم أضيفت إلى سلّة معاناته الحرب. بالتالي، نحن أمام أزمة حقيقة وخطيرة لا تقلّ خطورتها عن القطاعات الأخرى».
وفي نظر غبريس «إذا طال أمد الحرب، لا نستغرب أن يصبح المهندس «شوفير» تاكسي». الكلّ يترقّب مرحلة ما بعد انتهاء الحرب، إذ يتوقّع أن تتحرّك عجلة البناء من جديد، وفي حال وضعت أوزارها، هل تعوّض الدولة على الجنوبيين أم لا؟ وماذا عن تعويضات الأحزاب؟ هل تكون كافية لإعادة الإعمار؟ أسئلة يضعها غبريس ضمن أولوياته، لأنّه إذا لم يتمّ التعويض، فلا إمكانية لإعادة الإعمار.