كتب علي بردى في “الشرق الاوسط”:
يعبّر المسؤولون الكبار في إدارة الرئيس جو بايدن وغيرهم، ضمن مجالس خاصة، عن اعتقادهم بأن «لا مصلحة» لكل من حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو و«حزب الله» بقيادة أمينه العام حسن نصر الله، المحسوب على إيران، في حرب واسعة النطاق عبر الخط الأزرق، على الرغم من أن العمليات الحربية الحالية ترفع إلى حد كبير احتمالات «الخطأ في الحسابات».
وعلى الرغم من الشكاوى العديدة التي تقدم بها الجانبان، اللبناني والإسرائيلي، منذ 7 تشرين الأول الماضي، فإن مجلس الأمن لم يعقد أي جلسة طارئة لمناقشة الوضع المتوتر على الأرض أو رداً على هذه الشكاوى. ويعزو الناطق باسم الأمم المتحدة، فرحان حق، عدم انعقاد جلسات طارئة لمجلس الأمن إلى أن الطرفين المعنيّين لا يطلبان ذلك من الدول الأعضاء في المجلس، فضلاً عن أن هناك جلسات يعقدها المجلس دورياً للنظر في تنفيذ قراراته، لا سيما القرارين 1559 و1701، ومناقشة التقارير الذي يصدرها الأمين العام للمنظمة الدولية، أنطونيو غوتيريش، طبقاً لما قاله لـ«الشرق الأوسط». تعكس الشكاوى المتبادلة بين لبنان وإسرائيل أجواء التوتر المتزايدة على طرفَي الحدود، والمخاوف من تداعيات حرب غزة على لبنان، حيث يواصل «حزب الله» سياسة «العمليات التذكيرية»، والضربات المدروسة ضد المواقع العسكرية الإسرائيلية؛ مما أدى إلى مقتل نحو 20 من الجنود والمدنيين الإسرائيليين، في حين تنفّذ إسرائيل عمليات استهدافية أدت حتى الآن إلى مقتل أكثر من 200 من ناشطي «حزب الله» ومسؤوليه، بالإضافة إلى عدد من قادة «حماس» عبر كل المناطق اللبنانية، بالإضافة إلى عشرات الضحايا من المدنيين اللبنانيين.
الشكوى اللبنانية
وللتعامل مع الغارات التي تنفّذها إسرائيل في عمق أراضي بلاده، قدّم القائم بأعمال البعثة اللبنانية لدى الأمم المتحدة هادي هاشم، شكوى جديدة هذا الأسبوع في شأن «اعتداءات إسرائيل على مناطق سكنية آمنة في بعلبك وكسروان»، محذراً من «رغبة إسرائيلية في توسيع الصراع وجرّ المنطقة كلها إلى حرب، قد تبدأ شرارتها من أعمال عدوانية مثل هذه، وتتحوّل إلى حرب إقليمية تسعى وراءها الحكومة الإسرائيلية بوصفها حبل نجاة من مأزقها الداخلي»، ليحضّ المجتمع الدولي على «الضغط على إسرائيل للجم اعتداءاتها المستمرة بوتيرة تصاعدية»، مطالباً «بضرورة إدانة أعضاء مجلس الأمن مجتمعين الاعتداءات الإسرائيلية ضد لبنان، والحؤول دون تدهور الوضع وتوسيع الحرب».
وتلتقي العبارة الأخيرة «الحؤول دون تدهور الوضع وتوسيع الحرب» تماماً مع ما يعمل عليه آموس هوكستين، المنسق الرئاسي الخاص للبنية التحتية العالمية وأمن الطاقة لدى إدارة الرئيس جو بايدن، بهدوء على حلحلة العقد المتعلقة بترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل بعدما تمكّن في تشرين الاول 2022 من التوصل إلى ما تعدّه الأمم المتحدة والإدارة الأميركية «اتفاقاً تاريخياً» بينهما على ترسيم الحدود البحرية، ساعياً في الوقت ذاته مع منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك، ومساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف، وكذلك السفيرة الأميركية في بيروت ليزا جونسون، والسفيرة السابقة دوروثي شيا، إلى مواصلة جهود واشنطن الدبلوماسية الناجحة حتى الآن لمنع امتداد حرب غزة إلى جانبَي الخط الأزرق.
التهديد الإسرائيلي
وعلى الرغم من أن الشكاوى التي تأتي من الجانب الإسرائيلي لمجلس الأمن (عددها 6 منذ 7 تشرين الماضي) تحمل طابعاً تهديدياً، فإن أعضاء المجلس لم يذهبوا إلى طلب اجتماع طارئ لهذه الغاية، في ظل ضغوط أميركية متواصلة لمنع خروج الأمور عن نطاق السيطرة.
ويؤكد أحد المسؤولين الأميركيين في مجالسه، وفقاً لمعلومات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، ضرورة منع توسيع نطاق الحرب بوصفها هدفاً رئيسياً في استراتيجية إدارة بايدن، ليس فقط في اتجاه لبنان، بل أيضاً في اليمن والبحر الأحمر، وفي منطقة الشرق الأوسط على نطاق أوسع، مؤكداً أن «ثمة جهداً جدياً من جانب الإدارة لإبقاء الوضع بين لبنان وإسرائيل قيد السيطرة»، علماً بأن «المسؤولين الإسرائيليين يؤكدون عبر القنوات الخاصة لنظرائهم الأميركيين أن لا رغبة لديهم في شنّ حرب مع لبنان، لكنهم يصرون على ضرورة عودة مئات الآلاف من النازحين الإسرائيليين إلى منازلهم في الشمال».
سلاح «حزب الله»
غير أن هذه الجهود الأميركية لم تخفف كثيراً من مخاوف الأمين العام أنطونيو غوتيريش حيال الوضع المتوتر عبر الخط الأزرق. وهذا ما يبرزه في التقرير الجديد الذي أعدّه حول تنفيذ القرار 1701 الذي سيناقشه أعضاء مجلس الأمن الثلاثاء المقبل. ويعبّر غوتيريش في هذا التقرير عن «القلق البالغ» حيال الانتهاكات المستمرة لوقف الأعمال العدائية منذ 8 أكتوبر، في ظل تبادل إطلاق النار المتكرر بين «حزب الله» والجماعات المسلحة الأخرى غير الحكومية في لبنان من جهة وإسرائيل من الجهة الأخرى، مما «يشكل تهديداً خطيراً لاستقرار لبنان وإسرائيل والمنطقة»، مطالباً بـ«عملية سياسية لمعالجة الأسباب الجذرية للصراع» انطلاقاً من التنفيذ الكامل للقرار 1701. وحض الطرفين على «الاستفادة الكاملة من آليات الاتصال والتنسيق» التابعة للقوة الموقتة للأمم المتحدة في لبنان (اليونيفيل). وكرر التعبير عن «المخاوف الجدية في شأن حيازة أسلحة غير مرخصة خارج سلطة الدولة في المنطقة الواقعة بين نهر الليطاني والخط الأزرق»، مسمياً «حزب الله» وغيره من الجماعات المسلحة من غير الدول.
«عسكرة المخيمات»
وإذ كرر غوتيريش تنديده بكل الانتهاكات للسيادة اللبنانية من جانب إسرائيل، مطالباً الأخيرة بـ«وقف كل عمليات التحليق فوق الأراضي اللبنانية»، ندد أيضاً بـ«أي انتهاك لسيادة إسرائيل من لبنان». ونبه إلى مضي أكثر من عام على خلو منصب رئاسة الجمهورية، واستمرار حكومة تصريف الأعمال، داعياً ما سمّاه «لبنان السياسي» إلى «اتخاذ خطوات حازمة نحو انتخاب رئيس لمعالجة القضايا السياسية الضاغطة، والمقتضيات الاقتصادية والأمنية التي تواجه البلاد».
وفي ظل الغضب الدولي من طبيعة هجوم «حماس» على إسرائيل، ورد الأخيرة بسياسة العقاب الجماعي للفلسطينيين في غزة، والتوتر المتصاعد على الحدود مع لبنان، يشعر المسؤولون الأمميون بـ«قلق بالغ» من «عسكرة» المخيمات الفلسطينية في لبنان. ويقول غوتيريش إنه «يجب ألا تغتصب الجماعات المسلحة أبداً المؤسسات التعليمية وغيرها من منشآت الأمم المتحدة لأغراض عسكرية»، غداة نداء التعبئة الذي أطلقته «حماس» في مخيمات اللاجئين في لبنان.