جاء في “الراي الكويتية”:
من بين سطور «الردّ البروتوكولي» للبنان الرسمي على الورقة الفرنسية الرامية إلى تهدئة جبهة الجنوب عبر ترتيباتٍ أمنية مع إسرائيل وعلى قاعدة «الفصل» عن حرب غزة، أطلّتْ مجموعة مفارقاتٍ عكستْ استمرار تَدَحْرُج الواقع في «بلاد الأرز» في حفرةٍ من الإنكار للمَخاطر الجمّة التي تتربّص بالوطن الصغير ومضيّ المسؤولين «منزوعي سلاح القرار والتقرير في الحرب والسلم» بما يُشبه «حفلة تَنَكُّر» وبأقنعةٍ لم تعُد تُقْنِع أحداً في الداخل والخارج.
واستغربت أوساط واسعة الاطلاع في بيروت، الحيّزَ الذي أخذه إعلان تسليم لبنان، عبر وزير الخارجية عبدالله بوحبيب إلى السفير الفرنسي هيرفي ماغرو، الردّ على الورقة التي سبق لباريس أن قدّمتها بـ«الأحرف الأولى» إبان زيارة وزير خارجيتها ستيفان سيجورنيه لبيروت ثم أضفت عليها لاحقاً طابعاً رسمياً في الصياغة و«العنوان».
وتنص في مرحلتيها الأولى والثانية (على مدى 3 أيام) على وقْف العمليات العسكرية من الجانبين و«تفكيك» منشآت «حزب الله» القريبة من الخط الأرزق وانسحابه لمسافة لا تقلّ عن 10 كيلومترات شمال هذا الخط وأن يبدأ لبنان بنشر مزيد من جنود الجيش في الجنوب، وصولاً (خلال عشرة أيام) لاستئناف المفاوضات حول الحدود البرية وضمان إنشاء منطقة خالية من أي جماعات مسلحة جنوب الليطاني (وفق منطوق القرار 1701)، على أن يتم تشكيل مجموعة تتألف من الولايات المتحدة وفرنسا ولبنان واسرائيل لمراقبة تنفيذ الترتيبات الأمنية والتعامل مع الشكاوى المحتملة.
وبدا لبنان في ردّه وكأنه يعتمد خيارَ السير «بجانب الحائط» متجنّباً الدخول في النقاط الإشكالية والحساسة من الورقة، ومكتفياً بتأكيد التعهّد بتنفيذ القرار 1701 متى أوقفتْ اسرائيل اعتداءاتها، مع تأكيدِ أن تطبيقه يقع على عاتق كل من بيروت وتل أبيب وليس «في اتجاه واحد»، وتشديد على أن لبنان «لا يسعى الى الحرب» وأنّه بمجرد توقف الانتهاكات «فإن لبنان سيلتزم استئناف الاجتماعات الثلاثية مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وإسرائيل غير المباشرة، لمناقشة كل الخلافات والتوصل إلى اتفاق في شأن التنفيذ الكامل والشامل للـ 1701» (في غمْز من إصرار سابق لبيروت على شمول أي اتفاق مزرع شبعا وتلال كفرشوبا).
وبحسب الأوساط المطلعة، فإن هذا الردّ لا يقدّم أو يؤخّر، ما خلا أنه ينطلق من عدم إمكان إدارة «الأذن الصمّاء» لمراسلةٍ رسميةٍ من فرنسا التي لا ترغب بيروت في قَطْع جُسورٍ معها، هي التي لها حضور بارز في قوات «اليونيفيل» وتشارك في «مجموعةِ الخمس» التي تتولى متابعة الأزمة الرئاسية وكَلف رئيسُها موفداً شخصياً (جان – إيف لودريان) لمهمةٍ شائكة في ما خص محاولة توفير أرضية لتفاهم لبناني لإنهاء الشغور الرئاسي، لافتة إلى أن «الرأي المُلْزم» للجميع في الداخل والخارج في ما خصّ الورقة الفرنسية هو لـ «حزب الله» الذي سبق أن أعطى إشارات إلى أن مضمونها يتماهى مع شروط اسرائيل وكأنها صيغت بـ «حِبر العدو».
وأشارت إلى أن المقترحَ «وُلد ميتاً» أصلاً، باعتبار أنه يتمحور عملياً حول فصْل جبهة الجنوب عن غزة، وهو ما يستحيل أن يقبل به «حزب الله» في أي حال، ناهيك عن أن المسار «المعترَف به» وبثقله، من محور الممانعة – رغم الملاحظات وبعضها جوهري – كما من اسرائيل، يتمثل في مهمة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين الذي زار بيروت أخيراً وقدّم طرحاً لخفض التصعيد و«الربط» مع مرحلة ما بعد هدنة غزة وإرساء اتفاق إطار لنقْل الجبهة اللبنانية من رحابِ السخونة إلى التبريد فالحل المستدام، وسط التعاطي معه على أنه يَبقى أكثر واقعية لجهة تسليمه بالترابط بين بدء وقف النار في القطاع وانطلاق خطة التهدئة جنوباً، ناهيك عن أنّه يُشكّل جزءاً من مَسرح عمليات ديبلوماسي واسع تتحرّك عليه طهران وتحرّك فيه «أحجارها» على امتداد قوس نفوذها بما يخدم مقتضيات «الشدّ والرخي» مع الولايات المتحدة.
وإذ استوقف هذه الأوساط التقارير عن لقاءات أميركية – إيرانية في عُمان لبحث ملف الحوثيين وهجماتهم في البحر الاحمر، لاحظت أن الردّ اللبناني المفرّغ عملياً من أي عناصر جوهرية، جاء بعد أيام قليلة من تأكيد الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله الربط مع جبهة غزة مهما طال الزمن وكان الثمن، وأن صوت التفاوض الأعلى حالياً هو لـ «حماس» وباسم محور الممانعة حول هدنة القطاع، في حين أتى ما كشفتْه «رويترز» عن مضمون زيارة قائد «فيلق القدس» الإيراني إسماعيل قاآني لبيروت الشهر الماضي للبحث في المخاطر التي قد تنشأ إذا استهدفت إسرائيل «حزب الله» بعد ذلك، ليُعزز ثانوية دور لبنان الرسمي في ما يُرسم لبلاد الأرز.
وبحسب المعلومات عن زيارة قآاني أنه خلال لقائه نصرالله طمأنه الأخير إلى أنه لا يريد أن تنجرّ إيران إلى حرب مع إسرائيل أو الولايات المتحدة وأن «حزب الله» سيُقاتل بمفرده. وقال نصرالله «هذه معركتنا».وفي جانب لا يقلّ دلالة من الملهاة اللبنانية أن الردّ الرسمي على الورقة الفرنسية، استوجب «وسيطاً» بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وفريقه وبين وزير الخارجية ومستشاريه، وكلاهما عملا على صياغةٍ، قبل أن ينجح رئيس البرلمان نبيه بري في «توحيد» الردّ، وذلك في ضوء «الانتفاضة» التي أعلنها بوحبيب على ميقاتي، متهماً إياه بـ «التعدّي على دوره ومحاولات متكرّرة لاختصار صلاحيات الوزارة بشخصه» سواء عبر استبعاده عن لقاءات مع مسؤولين دوليين لا يدرجونه على جدول زياراتهم، أو حتى بأنه «يتعمّد لقاء الموفدين الدوليين بمفرده، في لبنان والخارج».