كتب منير الربيع في “المدن”:
كأن المنطقة تعيش مرحلة تشبه حقبة الأشهر الأخيرة من ولاية الرئيس الأميركي، باراك أوباما، عام 2016. الولايات المتحدة الأميركية على مشارف انتخابات رئاسية، يسعى فيها جو بايدن إلى العودة للرئاسة، على الرغم من صعوبات كثيرة تعترض طريقه. كان أوباما قد خاض مسار التفاوض مع إيران منذ ولايته الأولى، وأجّل الاتفاق إلى ما قبل انتهاء ولايته الثانية بسنة واحدة. الأمر يختلف لدى بايدن في ولايته الأولى، والذي يواجه صعوبات في تأمين فرص فوزه بولاية ثانية. لذلك، فهو غير قادر على اتخاذ قرارات حاسمة، واضطر إلى توفير الدعم الكامل والكبير لإسرائيل مع بداية طوفان الأقصى. وبعدها، دخل في خلاف كبير مع رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، الذي يستغل الدعم الذي قُدِّم والمواقف الغربية المؤازرة للمضي بمشروعه حتى النهاية، مستثمراً في الانتخابات الأميركية نفسها.
إسرائيل وإيران
منذ انتخابه دخل بايدن في مفاوضات حول العودة للاتفاق النووي مع إيران، الذي خرج منه دونالد ترامب. لكنه لم يستطع لمجموعة أسباب وظروف، وآخرها حساباته الانتخابية للولاية الثانية. جاءت حرب أوكرانيا والحرب على غزة لتحدث تغييراً كبيراً على الساحة الدولية، والذي يحكم أداء الإدارة الأميركية الحالية، وسيبقى ممتداً إلى ما بعد الانتخابات. هو ظرف يريد أن يحوّل فيه بنيامين نتنياهو إسرائيل نفسها إلى “طوفان” يطمح لجرف بايدن انتخابياً، كما جرف الكثير من العقبات أمامه في المنطقة. وهذا التحدي الأساسي أمام الإدارة الأميركية التي تسعى إلى منع اسرائيل من تفجير حرب إقليمية بفعل حالتها الطوفانية.
كانت إسرائيل، ونتنياهو تحديداً، أكثر المتضررين من الاتفاق الأميركي الإيراني. وهذه القاعدة لا تزال سارية إلى اليوم، في رفض إسرائيل السير على إيقاع المفاوضات الإيرانية الأميركية، والتي تشمل ظروف منطقة الشرق الأوسط ككل. خصوصاً في ظل التأكيدات حول وجود لقاءات ومفاوضات مباشرة بين الإيرانيين والأميركيين في سلطنة عمان، وفي جنيف. فبعد عملية طوفان الأقصى، وجبهات المساندة، نجحت إيران في إدراج كل ملفات المنطقة على طاولة البحث مع الأميركيين. ولذلك، قبل أشهر مرر الإيرانيون للأميركيين معادلة إما تسوية كبرى أو حرب كبرى. فما تريده طهران هو الوصول إلى اعتراف أميركي بنفوذها في كل المنطقة من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر.
مفتاحا الاستقرار
حالياً، تجري مفاوضات أميركية إيرانية حول ملفات عديدة، من العراق إلى سوريا واليمن وفلسطين ولبنان والملف النووي. ما تريده واشنطن هو الوصول إلى ترتيبات سياسية على مستوى المنطقة ككل، لأن معركتها أكبر من الشرق الأوسط، وهدفها الصين وروسيا. لذلك لا يمانع الأميركيون من الوصول إلى تفاهمات موضعية مع الإيرانيين أو مع حلفائهم، حول كل الساحات العالقة. هذا المسار سيكون له الانعكاس الأكبر على لبنان، انطلاقاً من ربط مسار الجبهة اللبنانية بالوضع في غزة. وطالما أن إيران حاضرة بقوة من خلال حزب الله، وأميركا تعمل على تجنب الحرب الكبرى من خلال وساطة آموس هوكشتاين، أصبح لبنان جزءاً من السلة الإقليمية الكبرى، وينتظر تقاطعات إقليمية ودولية، ويترقب أي من الدول العربية سيكون منخرطاً بذلك.
فالساحة اللبنانية لا تزال تشهد تحركاً للخماسية التي بدأ تشكلها قبل الحرب على غزة، فيما أسهمت تلك الحرب بتغيير كل قواعد اللعبة وموازينها. على قاعدة أن الاستقرار الإقليمي في المنطقة له مفتاحان، في الخليج مفتاح الاستقرار هو اليمن، وفي المشرق العربي مفتاح الاستقرار هو فلسطين. يمنياً، اختارت السعودية الانخراط مبكراً بالبحث عن سبل تكريس التهدئة، وذلك من خلال الاتفاق مع ايران. أما حول فلسطين، فإن قطر هي التي تتقدم انطلاقاً من الدور الذي تلعبه. ولكن من دون إغفال الاهتمام السعودي على مستوى العلاقة مع الأميركيين، وعلى مستوى عقد اجتماعات والبحث عن حلّ أوسع من مسألة وقف إطلاق النار أو الهدنة، وذلك بالتعاون مع قطر ودول أخرى. هذه القراءة تفرض على السعودية أن تكون منخرطة أكثر في فلسطين وفي لبنان، وذلك لعدم تكرار تجربة العام 2015 أي لحظة الاتفاق النووي بين إيران وأميركا، في مقابل انكفاء عربي برز في سوريا، العراق ولبنان، بينما انتقلت المعركة في حينها إلى اليمن.
2008 أم 2016؟
لذلك، فإن السعودية ستكون معنية بالإنخراط في كل هذه الملفات، كي لا تتكرر النتائج والسيناريوهات، في المنطقة ككل ومن ضمنها لبنان. الذي كان إحدى الساحات الأساسية التي تأثرت بتداعيات الاتفاق النووي في العام 2015، والذي أوصل في النهاية إلى تسوية العام 2016. في حينها كانت السعودية خارجها، بينما كان واضحاً الانخراط الأميركي والبريطاني والإيراني فيما استلحق الفرنسيون أنفسهم. ولكن عملياً تلك التسوية كانت عبارة عن اتفاق أميركي إيراني امتد بظروفه ووقائعه من سوريا والعراق وصولاً إلى لبنان.
صحيح أن اللجنة الخماسية تواصل عملها واجتماعاتها، ولكن ما أصبح متداولاً في مختلف الأوساط أن العمل الخماسية لن يؤدي إلى أي نتيجة، في ظل التضارب بالرؤى ووجهات النظر. وهنا ثمة من يعود إلى أن معادلة أميركية إيرانية هي التي ستنتج حلاً في لبنان، بالتقاطع والإلتقاء مع الدول العربية ولا سيما مع السعودية وقطر. من هنا، فإن لبنان سيكون أمام مسار من إثنين. في حال حصل الانخراط العربي، يمكن الوصول إلى تسوية تشبه تسوية الدوحة في العام 2008 والتي أنتجت رئيساً وسطياً وحكومة. أما في حال عدم الانخراط، فإن الفراغ مرشح لأن يطول.. إلا إذا تكرر سيناريو العام 2016 وأنتج تسوية إيرانية أميركية يتمكن معها الحزب من إيصال سليمان فرنجية إلى الرئاسة.