كتبت لوسي بارسخيان في “نداء الوطن”:
لم يتخط النقاش في لجنة الإدارة والعدل التي عقدت أمس جلستها الثانية لمناقشة قانون القضاء العسكري وتعديلاته، مادته الأولى. فاستُهلك معظم وقت اللجنة في تعريف المحاكم العسكرية والهيكلية التي تتألف منها، لينقسم الرأي حولها قياساً إلى اصطفافات مسبقة حول الصلاحيات التي لا تزال مناطة بالقضاء العسكري. وعليه بدا واضحاً أنّ النقاشات قد تستغرق وقتاً طويلاً قبل الخروج باقتراح قانون قادر على تقريب وجهات نظر الكتل النيابية، بما يؤمن إجماعاً قبل طرحه على الهيئة العامة.
منذ الجلسة الأولى التي عقدتها لجنة الإدارة والعدل لمناقشة قانون القضاء العسكري في الأسبوع الماضي، تمترس أعضاء اللجنة خلف قناعات كتلهم، بحيث أمكن التمييز في جلستها الثانية بين ثلاثة إصطفافات على الأقل:
الفريق الأول يتمسك بصلاحيات موسعة للقضاء العسكري ومحاكمه، ويضرب المثل بدول لا تزال تحاكم مدنييها في المحاكم العسكرية، والتي تصدر أحكامها حتى بارتكاباتهم المدنية. وهذا الفريق هو من المواظبين على حضور جميع جلسات اللجنة، ويتصدره نواب حركة «أمل».
الفريق الثاني يؤكد أنّ النظر بالقضايا المدنية يجب أن يكون مناطاً بالقضاء المدني فقط، ويشدد على حصر صلاحيات المحكمة العسكرية بصيغتها الإستثنائية، أي كمحكمة تحاكم العسكريين وفقط على الجرائم العسكرية. ويتبنى نواب «القوات» هذه الإصلاحات في القانون.
أما الفريق الثالث فهو الذي يطالب بإصلاحات جذرية في هيكلية القضاء العسكري، ويؤيده حتى الآن نواب حزب «التقدمي الإشتراكي» إلى جانب النائبة حليمة قعقور والنائب فراس حمدان. يسجل هذا الفريق إعتراضه على تضمين القضاء العسكري محكمة إستئناف عسكرية ومحكمة تمييز عسكرية ومحكمة إتهامية، ويرى أنه بعد تجاوز المحاكمات المرحلة الأولى فإنّ أي إستئناف أو تمييز للقرارات الصادرة عن المحكمة العسكرية، أياً كانت صفة المحاكم، يجب أن يكون أمام المحاكم المدنية. ويقدم هذا الفريق إقتراحاً بتشكيل غرف عسكرية داخل هذه المحاكم لمتابعة القضايا التي يكون قد نظر فيها القضاء العسكري بمرحلة أولى، علماً أن هذا الأمر نوقش سابقاً في لجنة فرعية منبثقة من لجنة الإدارة والعدل ترأسها النائب جورج عقيص. وقد أقرّت اللجنة باقتراحاتها التي رفعتها للجنة الأم بنهاية العام الماضي، إعطاء محكمة التمييز المدنية صلاحية النظر باستدعاءات النقض ضدّ الاحكام التي تصدر عن محكمة الجنايات العسكرية ومحكمة الإستئناف العسكرية، ولكنّها لم تُضمّن إقتراحها إلغاء محكمة الإستئناف العسكرية، بل أصرّت فقط على عدم جواز أن يكون هناك أكثر من محكمة تمييز في نظام قضائي واحد.
هذه الخلافات في وجهات النظر منذ انطلاقة النقاش بمشروع القانون المعدل الموضوع على طاولة لجنة الإدارة والعدل، تبدو عاملاً صحياً وفقاً لمصادر اللجنة. وتعتبر المصادر أنّ أهمية مشروع القانون الذي تعدّه اللجنة هو في إعادته القضاء العسكري إلى الأطر القانونية التي تحدد صلاحياته، وخصوصاً بعد توسع الممارسات من خارج صلاحيات هذه المحاكم العسكرية، حولتها منذ مرحلة الوجود السوري في لبنان وحتى اليوم، أداة ترهيب وكم للأفواه.
وإلى هذه الصلاحيات سيتوسع النقاش في الجلسة المقبلة للجنة الإدارة والعدل كما اتفق الحاضرون بنهاية جلسة أمس، من دون أن يتوصل أعضاء اللجنة أمس إلى خلاصة لتعريف هيكلية القضاء العسكري التي نوقشت مطولاً.
في الموازاة عقد في مجلس النواب أيضاً أمس إجتماع للّجنة الفرعية المنبثقة من لجنة الإدارة والعدل لدراسة اقتراحي قانوني القضاء الإداري واستقلال القضاء الإداري وشفافيته وأصول المحاكمات الإدارية. وكشفت مصادر اللجنة عن تمسك رئيسها جورج عقيص خلال إجتماع أمس بالمنهجية الأولى التي وضعت لدراسة المشروعين المقدمين من النائب جورج عدوان وأسامة سعد، بالإستناد إلى إقتراح عدوان وتسلسل مواده التي تنقل خبرة مجلس شورى الدولة ورئيسه فادي الياس، مع مقاربة المواد التي يعتبر أنها تحمل ميزة تفاضلية في القانون الذي وضعه «إئتلاف استقلال القضاء» و»المفكرة القانونية» وقدمه النائب أسامة سعد.
هذه المنهجية تستغرق، وفقاً لمصادر لجنة، وقتاً طويلاً لتنهي عملها، كاشفة أنّ اقتراح القانون المقدم من عدوان يتطرق لتفاصيل طويلة حول أصول نوقشت سابقاً في قانون المحاكمات المدنية، وليس هناك حاجة لإعادة مناقشتها. ومن هنا تبدي المصادر إنزعاجها من الوتيرة التي تتحكم بدراسة الإقتراحين المقدمين حتى الآن، وحتى بعدما ارتفع عداد المواد التي تمت دراستها أمس إلى 242. وتذكر المصادر بأن مناقشة اللجنة للإقتراحين إنطلقت منذ سنة 2022، وهي لم تبلغ حتى الآن نصف عدد المواد التي يتضمنها إقتراح عدوان، وتعرب بالتالي عن عدم ثقتها بإنجاز الإصلاحات المطلوبة في قانون القضاء الإداري وطرحه على الهيئة العامة قبل نهاية ولاية المجلس الحالي.
من هنا ترى المصادر أنّ المطلوب، واختزالاً للوقت، أن يقوم كل نائب بواجبه مسبقاً، عبر تشذيب مواد الإقتراحين ومقارنتهما قبل الحضور إلى إجتماعات اللجنة، حتى يتسنى لها منح المواد التي تتطلب نقاشاً مطولاً الوقت الكافي الذي يضمن الإستقلالية التامة لهذا القضاء، بعد إقرار مشروع القانون المتعلق به بصيغته النهائية. وإذ تبدي المصادر تطلعها لما سيصدر عن «لجنة البندقية» من توصيات حول الإقتراح المعروض عليها، تؤكد أنّ هذا الأمر لم يطرح في إجتماع أمس على رغم لقاء عقده عقيص ووزير العدل مع هذه اللجنة في الأسبوع الماضي، علماً أنّ تقرير «لجنة البندقية» حول هذا الإقتراح مرتقب في نهاية الشهر الجاري.