كتب جان الفغالي في “نداء الوطن”:
ليس تفصيلاً أن يذهب رئيس وحدة التنسيق والارتباط في «حزب الله» الحاج وفيق صفا إلى دولة الإمارات العربية المتحدة ليفاوض على إطلاق لبنانيين موقوفين بموجب أحكام قضائية. هذه المرّة لم يستخدم «الحزب» الأجهزة الرسمية للدولة اللبنانية، كوزير الداخلية أو المدير العام للأمن العام أو حتى رئيس مجلس النواب، بل انتزع من يديه كَفّي الغطاء الرسمي ليكشف عن وجهه الحقيقي: «أنا الدولة والدولة أنا».
بهذا المعنى لا يعود مستغرَباً، أن يكون الحاج صفا هو المفاوِض وليس المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري، كما كان يحصل مع اللواء عباس ابراهيم. هذا التطوّر لا هو مفاجئ ولا هو مستغرب، ملف «بالناقص»، وملف «بالزائد» لا يقدِّم أو يؤخِّر في واقع أنّ «حزب الله» مسيطرٌ على القرار السياسي وعلى القرار العسكري، وحتى القرار المالي، فكيف لا يكون مسيطراً على القرار الديبلوماسي-الأمني- القضائي؟
حين جلس الحاج وفيق صفا إلى طاولة مجلس الأمن المركزي في وزارة الداخلية أيام الوزير نهاد المشنوق، قامت القيامة ولم تقعد، وبعض الحاملين والمتحاملين على الخطوة آنذاك أرادوا التصويب على المشنوق لا على الحاج صفا، وتبيّن وقتها أنّ المشنوق أراد أن يدلّ على أين يقع القرار أو جزء من القرار، وكان على حق في الإضاءة على «الشواذ».
أراد «حزب الله»، من خلال إيفاد «الرجل الثاني» أمنياً، في تراتبيّته، أن يقول للداخل وللخارج إنّه من الآن فصاعداً سيتولّى المسؤولية مباشرةً، لا وكيل له ولا توكيل منه لأحد، وإنّ القرار الأول والأخير في حارة حريك وليس في أي مكان آخر.
هذا الأداء يعزّز الفرضية التي تقول إنّ جمهورية من دون رأس تناسب «حزب الله»، فيدخل الحرب من دون قرار رسمي، ويفاوض لاسترداد موقوفين في الإمارات من دون إعلام السلطة اللبنانية، ومن دون المرور بالسفارة اللبنانية في الإمارات.
مؤلمٌ هذا الكلام لكنّه حقيقيّ وواقعيّ، فحتى عند التفاوض مع العدو الإسرائيلي على تبادل الأسرى والجثامين، كانت الدولة اللبنانية حاضرة عبر رئيس الحكومة ومدير الأمن العام، وكان الحاج وفيق صفا في الصفوف الخلفية. اليوم الحاج صفا ليس بالتأكيد في الصفوف الخلفية، بل في الصف الأمامي، وهو وحيد، إلا من مساعدَيْه. صحيح أنّ «حزب الله» سيستعيد موقوفين، لكن مَن يستعيد لبنان «الموقوف» لدى «حزب الله»؟
في زمن الحرب، كان «حزب الله» يُطلِق الرهائن الأجانب في بيروت، ويقول ان لا دور له في خطفهم (كان يُصدِر البيانات باسم منظمة «الجهاد الإسلامي» التي تعلن مسؤوليتها عن خطفهم) ويتوجّه بهم إلى سوريا لإطلاقهم في مبنى الخارجية السورية، من دون أي دور للسلطات اللبنانية، في محاولةٍ منه لإظهار «الدور الإنساني» للنظام السوري، ودوره المساعِد. اليوم، ماذا سيقول «حزب الله» بعدما توارت كل الأسماء للمنظمات الوهمية التي كان يختبئ خلفها؟ هل أراد، من خلال الكشف عن وجهه الحقيقي، أن يقول: «أنا الدولة»؟